قد تتحمل إنسانًا مؤمنًا، وهناك شخص صدره واسع, ونَفَسُه طويل, حليم
يتلقى فظاظة خصومه بصدر رحب, ويمتصُّ مواقفهم الفجّة,
وهناك شخص لا يتحمل, إذا أردت أن تكون داعية إلى الله عز وجل
فلا بد من حلم كثير, ولا بد من سعة صدر, ولا بد من تجاوز
, ولا بد أن تكون في أعلى مستويات الرحمة والحب .
( فقال يا عمير: ما الذي جاء بك إلينا؟ )
جئت أرجو فكاكَ هذا الأسير الذي في أيديكم
( فما بالُ هذا السيف الذي في عنقك )
قبّحها الله من سيوف, وهل أغنت عنا شيئاً يوم بدر؟ إنّه يخادع
( أَصْدِقْني يا عمير, ما الذي جئت له يا عمير؟ )
( يا عمير, بل قعدتَ أنت وصفوان بن أمية عند الحِجر، فتذاكرتما أصحابَ
القليب من صرعى قريش، ثم قلت لصفوان: لولا دَيْن علَيَّ وعيال عندي
لخرجتُ حتى أقتل محمداً, فتحمّل لك صفوان بن أمية دَيْنَك وعيالك
على أن تقتلني، أليس كذلك يا عمير؟ )
هذه الآية التي أعطاها الله لعُمير, فذهل عمير لحظة
أشهد أنك رسول الله, انتهى الأمر .
إنّ الله عز وجل يُرِي الإنسان وهو في المعصية وهو في الضلال يريه
آية من آياته، فإنْ لم يستجب فقد ضيّع فرصة لا تتكرر
لقد كنا يا رسول الله نكذِّبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء،
بعض الناس يكون محدودًا في نظرته، فيقول لك: هذه سحبة فلا تصدق ،
كلهم دجالون, هؤلاء الكفار كلماتهم قاسية جداً- وما ينزل عليك من الوحي
لكن يا رسول الله خبري مع صفوان بن أمية لم يعلم به أحد إلا أنا وهو
وواللهِ لقد أيقنتُ يا رسول الله أنه ما أتاك به إلا الله, الآن أنت رسول الله
حقًّ وصدقًا، فالحمد لله الذي ساقني إليك يا رسول الله سوقاً
وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ:
( عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ )
[أخرجه البخاري في الصحيح عن أبي هريرة]
وفي رواية أبي داود وأحمد:
( عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ )
[أخرجه البخاري في الصحيح عن أبي هريرة]
ما هو الأمر الذي وجهه رسول الله إلى أصحابه وماذا نستفيد منه ؟
فقال عليه الصلاة والسلام:
-صار الآن أخاكم, ليس هناك عداوة دائمة أبداً في الإسلام، أنت تعادي
سلوكه, وتعادي كفره, وتعادي فسقه, وتعادي فجوره, فإذا عاد إليك
فهو أخوك حقاً، وانتهى الأمر-
( فقِّهوا أخاكم، وعلِّموه القرآن، وأطلقوا أسيره، إكراماً له )
وفرح المسلمون بإسلام عمير بن وهب أشدّ الفرح،
حتى إن عمر بن الخطاب قال:
واللهِ لَلْخنزير كان أحبَّ إلي من عمير بن وهب حين قدم على رسول الله،
وهو اليوم واللهِ أحبُّ إليَّ من بعض أبنائي ،
-فهذا هو الدين, لمجرد أن يؤمن المرء, لمجرد أن يصطلح مع الله,
لمجرد أن يتوب إلى الله, لمجرد أن يعود إلى الطريق الصحيح,
فهو أخوك حقاً، وما لم تكن هذه المودة، وهذه المحبة، وهذا التناصح،
وهذا البذل، وذاك العطاء بين المؤمنين, فو اللهِ لا خير فينا, ولا ينظر الله إلينا
وواللهِ ما من وقت مَرَّ على المسلمين في تاريخهم هم في أَمَسِّ الحاجة
إلى أن يتعاونوا، ويتكاتفوا ويعذر بعضهم بعضا، ويسامح بعضهم بعضاً،
ويعين بعضهم بعضاً، وما مِن وقت مرَّ على المسلمين في تاريخهم
كهذا الوقت الذي هم في أمسِّ الحاجة إلى التعاون، وما من وقت مرّ
على المسلمين في تاريخهم أصعب من هذا الوقت، حيثُ أعداؤهم يهجمون
عليهم هجمة شرسة وحشية في كل أنحاء العالم، والأخبار بين أيديكم،