عرفوا أنّ مفتاحه عند رسول الله، فكتب النّبي عليه الصلاة والسلام إلى ثمامةبأن يطلق لهم ميرتهم، فأطلَقها، وهذا انضباط.
إليكم موقفه وهو ينصح بني حنيفة من دعوة مسيلمة الكذاب
مع الأدلة التي استخدمها لبيان الحق
ظلَّ ثمامة بن أُثال ما امتدّت به الحياة وفياً لدينه، حافظاً لعهد نبيه،
فلّما التحق النبي صلّى الله عليه وسلّم بالرفيق الأعلى، طفق العرب
يخرجون من دين الله زرافاتٍ ووحدانًا, الذي دخل بسهولة،
يخرج بسهولة، أمّا الذي دخل بعد قناعة عميقة، وبعد محاكمة فكرية،
فعزيزٌ عليه الارتداد، ولن يكون.
فإذا جاء معك إلى المسجد مِن أول دعوة دعوته بها، فاستجاب، وقعد
في مجلس العلم بهذه البساطة، فهذا الإنسان الذي جاء بهذه البساطة
يمكن أن يترك لأتفه الأسباب، أما الذي عنده محاكمة، فكَّر، وتأمل،
واستمع، وناقش، وسأل، واعترض، وقال: عندي شبهة فاكشفوها لي،
وما استسلم إلا بعد محاكمة طويلة، وبعد سؤالٍ وجواب، وبعد حوارٍ مديد،
وبعد تبصُّر، وبعد تأمُّل، فهذا الإنسان دخل ساحةَ الدين بقناعةٍ
وبحثٍ، ودرسٍ، ومِن رابع المستحيلات أن يتركه بسببٍ تافه،
أنت مع مَن؟ مع خالق الكون، ومَن عاهدت؟ عاهدت الله عزَّ وجل،
واللهُ عظيم، فاثبتْ واذكرْ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وثباتهم، وعاقبة أمرهم .
من علامات قيام الساعة أن يصبح المرء مؤمناً، ويمسي كافراً،
يمسي كافراً ويصبح مؤمناً، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، تجده ترك
الصلاة لأتفه الأسباب، ترك الاستقامة بعدما كان مستقيمًا، قَبِلَ مالاً حراماً،
يقول لك: عندي أولاد، ماذا أفعل؟ أهذا هو السبب؟.
لما قام مسيلمة الكذاب، في بني حنيفة، يدعوهم إلى الإيمان به،
وقف ثمامة في وجهه
وقال لقومه:
يا بني حنيفة، إياكم وهذا الأمر المظلم، الذي لا نور فيه,
- كم فرقة إسلامية ظهرت في التاريخ الإسلامي؟ ظهرت وتلاشت،
لكن هذا الدين دين الله عزَّ وجل، هذا الدين العظيم، لأنّه دين الله بقي شامخاً
كالطود الأشم، فالمؤامرات التي حيكت ضدَّ الإسلام، أكثر مِن أن تحصى،
ومع ذلك فالإسلام هو الإسلام، والدين هو الدين، والإسلام كالطود الشامخ
وكالسفينة العملاقة التي لا تهتز بأتفه الأمواج- .
قال:
يا بني حنيفة، إياكم وهذا الأمر المظلم الذي لا نور فيه، إنه واللهِ لشقاءٌ
كتبه الله عزَّ وجل على مَن أخذ به منكم، وبلاءٌ على من لم يأخذ به،
ثم قال:
يا بني حنيفة، إنه لا يجتمع نبيَّان في وقتٍ واحد، وإن محمداً رسول الله
لا نبي بعده، ولا نبي يُشْرَك معه
ثم قرأ عليهم:
}حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ
وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ{
(سورة غافر الآية: 1- 3)
ثم قال:
أين كلام الله هذا من قول مسيلمة؟ يا ضفدع نِقِّي ما تَنِقِّين،
لا الشراب تمنعين، ولا الماء تكدَّرين
.
-هذا كلام مسيلمة، ولما كذَّب مسيلمة الكذاب بالفطرة، فقد تنكر الفطرة
القائمة في نفسه، والإيمان بالقرآن يتمّ بالفطرة، من دون دليل،
تقرأ القرآن، تشعر أنه كلام خالق الكون، تقرأ كلامًا منحولاً، مفترى،
تشعر أنه سخيف، تافه، كلامٌ لا يقف على قدمين، وهناك الأدلة علمية،
والأدلة الإعجازية، ولدينا أدلة نقلية وعقلية، مع دليل بسيط،
هو دليل الفطرة
مثلاً لما قال ربنا عزَّ وجل :
}إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{
) سورة آل عمران الآية: 190-191)
تشعر أنَّ هذا كلام الله:
}إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ{
)سورة يس الآية: 12(
} إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلاً *
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِماً أَوْ كَفُوراً{
( سورة الإنسان الآية: 23-24)
تشعر بالفطرة، بلا دليل، بلا تعليل، بلا محاكمة، أنَّ هذا كلام الله،
أمًّا: يا ضفدع نِقِّي ما تنقِّين، لا الشراب تمنعين، ولا الماء تكدرين
فهذا هراءٌ وجزاف- .
ثم انحاز لِمَن بقي على الإسلام من قومه، ومضى يقاتل المرتدين،
جهاداً في سبيل الله وإعلاءً لكلمة الله في الأرض، فقد أدرك الحقَّ، واستجاب له
قال تعالى:
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ{
) سورة الأنفال الآية: 24(
الإنسان قبل الإيمان ميت
قال سبحانه:
}أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ
كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا{
)سورة الأنعام الآية: 122(
والكافر في ظلماتٍ بعضها فوق بعض، لكنّ المؤمن استنار عقلُه،
وطهُرت نفسه، وامتلأ قلبه سعادةً، وضبط سلوكه، وسددَّ خطاه،
وامتلك رؤيةً صادقة، وعزماً متيناً، وإرادةً صلبةً، هذا هو الإيمان .
إليكم مواقف ثمامة قبل الإسلام وبعده :
فهذا ثمامة بن أُثال، فكم كان البَوْنُ شاسعًا بين حياته قبل الإسلام،
يوم كان ملِكًا، غاشمًا، حقودًا، قاتلاً، وأراد أن يقتل النّبي، ثمَّ صُرِف
عن قتله، وجَمَع نفرًا من الصحابة وقتلهم شرَّ قتله، فلمّا عرف الله عزَّ وجل
أصبح إنسانًا آخر، كلُّ طاقاته، وكلُّ إمكاناته موظفةٌ في خدمة الحق .
هذا هو المؤمن بذكائه، بلسانه، بعضلاته، بوقته، باختصاصه، بخبراته،
بأولاده، بأسرته ، كلُّ إمكاناته سخَّرها في سبيل الله مضحِّيًّا صادقًا،
أما قبل ذلك فكانت كلُّ إمكاناته في سبيل الشيطان، في سبيـل المصالح الدنيوية
لذلك فالحياة لا تستقيم إلا بالإيمان، ولا يسعد الإنسان إلابالإيمان
مِن هنا قال عليه الصلاة والسلام:
( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا, وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ )
] أخرجه الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ في سننه[
إنْ صاحبتَ المؤمن فالمؤمن منصف، والمؤمن وفي، والمؤمن صادق،
وقَّاف عند حدود الله عزَّ وجل، يحب لكَّ ما يحبُّ لنفسه
ويكره لك ما يكره لنفسك.
هذا ثمامة بن أُثال، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً
وأكرمه بالجنة التي وعِد المتقون .
والحمد لله رب العالمين
لفضيلة الشيخ: محمد النابلسي
جزاه الله عنا كل خير
في الله اخوكم : مصطفى الحمد
