لقد حثَّ الإسلام على السَّتْر، ورغَّب فيه، واتَّخذ وسائل من أجل ذلك،
فشرع حدَّ القذف، حتَّى لا يُطْلِق كلُّ أحد لسانه،
وكذا أمر في إثبات حدِّ الزِّنى بأربعة شهود،
ونهى عن أن يتجسَّس المسلم على أخيه،
كما توعَّد بالعذاب لكلِّ من يشيع الفاحشة في المؤمنين:
{ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ }
[ أي: يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح
{ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا }
أي: بالحدِّ، وفي الآخرة بالعذاب ]
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }
قال: خذوا ما ظهر لكم، ودعوا ما سَتَر الله .
يقول: ولا يتتبَّع بعضكم عَوْرة بعض،
ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظُّهور على عيوبه،
ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فاحمدوا أو ذمُّوا،
لا على ما لا تعلمونه من سرائره ]
{ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ
وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ }
[ معنى { تَسْتَتِرُونَ }: تستخفون، في قول أكثر العلماء،
أي: ما كنتم تستخفون من أنفسكم حذرًا من شهادة الجوارح عليكم،
ولأنَّ الإنسان لا يمكنه أن يُخفِي من نفسه عمله،
فيكون الاستخفاء بمعنى ترك المعصية ]
[ أي: كنتم تَسْتَتِرون عن النَّاس عند ارتكاب الفواحش، مخافة الفضيحة،
وما ظننتم أنَّ أعضاءكم تشهد عليكم بها، فما اسْتَـتَــرْتم عنها.
وفيه تنبيه على أنَّ المؤمن ينبغي أن يتحقَّق أنَّه لا يمرُّ عليه حال
{ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ }
فلذلك اجترأتم على ما فعلتم ]