وجوب التزام العقيدة الصحيحة
العقيدة الصحيحة هي العقيدة المدلول عليها بألفاظ الكتاب والسنة
ونحن ملزمون باتباع ألفاظها ومعانيها، وبناء على ذلك يجب التزام
العقيدة الصحيحة – ولا يقال إن الكتاب والسنة قد يختلف في دلالتهما
في العقائد وغيرها لأننا نقول إنه لابد من مدلول حق لهما، وهذا المدلول
كان له جيل قد طبقه فهو منهج عملي ظهرت آثاره وبانت فوائده مما يدل
على أنه ثابت في واقع الأمر وحقيقته، فيجب التماسه من خلال البيان
النبوي لذلك، والبيان الأثري من الصحابة رضي الله عنهم.
وفرض دلالة مختلف فيها هو فرض حق لا يعرف، ومآل هذا الفرض
إبطال دلالة النصوص، ومن ثم إبطال الشرع إذ مضمونه أن الحق الذي
أنزل به القرآن الكريم وأرسل به الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بينا
ولا واضحا، ولازم ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الناس
على الضلالة ولم يبلغهم ما أنزل إليهم من ربهم، وأن أصحابه لم يكن لهم
في واقع الأمر عقيدة، وكل هذه اللوازم باطلة إذ ما يلزم منه الباطل فهو باطل.
فظهر بهذا أن هناك حقا في باب العقيدة يجب أن يلتزم وهناك دلالة
من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا محالة،
وأن هذه العقيدة التي توصف بالصحة ووجوب الالتزام، هي ما كان عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعوهم وتابع تابعيهم إلى
}وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ
وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {
ويمكن بعد هذا حصر موجبات التزام العقيدة الصحيحة فيما يلي:
أولاً: أنها مما أمر الله باتباعه
} وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين
َ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ {
}وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا {
ثانياً: أنها مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم
}وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {
ثالثاً: استحلال قتال من لم يقبلها
كما قال صلى الله عليه وسلم:
( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله...)
رواه البخاري (25)، ومسلم (22).
من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. الحديث.
رابعاً: لأنها الحق الذي أرسلت من أجلها الرسل، وأنزلت الكتب،
}وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ {
خامساً: لأن الرسل جميعا أرسلوا بها،
}وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً
أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوت {
سادسا: لأنها الغاية من خلق الجن والإنس،
} وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ {
سابعا: لأنها متعلق سعادة الخلق في الدنيا والآخرة
كما قال صلى الله عليه وسلم:
( أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة
من قال لا إله إلا الله خالصا من نفسه )
رواه البخاري (99). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
( لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي
دعوته وأخرت دعوتي شفاعة لأمتي
فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا )
رواه مسلم (199). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. .
ثامنا: لأنها دين الله الذي ارتضاه لعباده...
} وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ
وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ
ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {
تاسعاً: أنها حق الله الذي أوجبه على عباده
كما قال صلى الله عليه وسلم:
( حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا )
رواه البخاري (6267)، ومسلم (30). من حديث معاذ رضي الله عنه. .
عاشرا: لأنها طريق النجاة من النار...
من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله )
رواه البخاري (1186)، ومسلم (33). من حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه. .
الحادي عشر: لأنها أول ما يجب الدعوة إليه.
كما قال صلى الله عليه وسلم:
( فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله )
رواه البخاري (1458)، ومسلم (19). بلفظ: ((عبادة الله))
بدلاً من ((شهادة أن لا إله إلا الله)). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وفي رواية: ((إلى أن يوحدوا الله)) رواها البخاري (7372).
من حديث ابن عباس رضي الله عنه. .
الثاني عشر: لأنها ملة إبراهيم التي أمرنا باتباعها،
}ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا
وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {
وقد فسر الله مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ بقوله:
}وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تعبدون {