قَوْلُهُ : ( هَلْ عِنْدَكُمْ سَوْدَاءُ فِي بَيْضَاءَ ؟ )
الْمُرَادُ بِهِ شَيْءٌ مَكْتُوبٌ ، وفِي رِوَايَةٍلِلْبُخَارِيِّ : هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ
مِنَ الْوَحْيِ ؟ وَضَمِيرُ الْجَمْعِ لِلتَّعْظِيمِ ، أَوْ أَرَادَ جَمِيعَ أَهْلِ الْبَيْتِ ،
وَهُوَ رَئِيسُهُمْ - فَفِيهِ تَغْلِيبٌ ، وَإِنَّمَا سَأَلَهُأَبُو جُحَيْفَةَ
رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُم عَنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْالشِّيعَةِكَانُوا يَزْعُمُونَ
أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ الْبَيْتِ لَا سِيَّمَاعَلِيًّاأَشْيَاءَ مِنَ الْوَحْيِ خَصَّهُمُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا لَمْ يُطْلِعْ غَيْرَهُمْ عَلَيْهَا ، وقَدْ سَأَلَعَلِيًّا
عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًاقَيْسُ بْنُ عُبَادَةَوَالْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّوَحَدِيثُهُمَا
فِي مُسْنَدِالنَّسَائِيِّ
(وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ ) أَيْ : شَقَّهَا فَأَخْرَجَ مِنْهَا النَّبَاتَ وَالْغُصْنَ
( وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ : خَلَقَهَا ، وَالنَّسَمَةُ : النَّفْسُ ، وَكُلُّ دَابَّةٍ فِيهَا
( مَا عَلِمْتُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ ) وفِي رِوَايَةِالْبُخَارِيِّ
فِي كِتَابِ الْعِلْمِ قَالَ لَا إِلَّا كِتَابَ اللَّهِ ، أَوْ فَهْمًا أُعْطِيَهُ رَجُلًا مُسْلِمًا
أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ .
( وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ ) عَطْفٌ عَلَى
( فَهْمًا ) ، وفِي رِوَايَةٍ : وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ ، والْمُرَادُ بِالصَّحِيفَةِ
الْوَرَقَةُ الْمَكْتُوبَةُ
قَالَ الْقَاضِي : إِنَّمَا سَأَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّالشِّيعَةَكَانُوا يَزْعُمُونَ فَذَكَرَ كَمَا نَقَلْنَا
عَنِ الْحَافِظِ ، ثُمَّ قَالَ : أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى مِنْهُ عِلْمًا وَتَحْقِيقًا لَا يَجِدُهُ
فِي زَمَانِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ ، فَحَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ سِوَى الْقُرْآنِ
وَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْيَخُصَّ بِالتَّبْلِيغِ وَالْإِرْشَادِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ
وإِنَّمَا وَقَعَ التَّفَاوُتُ مِنْ قِبَلِ الْفَهْمِ وَاسْتِعْدَادِ الِاسْتِنْبَاطِ ، فَمَنْ رُزِقَ فَهْمًا
وَإِدْرَاكًا وَوُفِّقَ لِلتَّأَمُّلِ فِي آيَاتِهِ وَالتَّدَبُّرِ فِي مَعَانِيهِ فُتِحَ عَلَيْهِ أَبْوَابُ الْعُلُومِ ،
وَاسْتَثْنَى مَا فِي الصَّحِيفَةِ احْتِيَاطَ الِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَا لَا يَكُونُ عِنْدَ
غَيْرِهِ فَيَكُونُ مُنْفَرِدًا بِالْعِلْمِ
( قَالَ قُلْتُ : وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ ) وفِي رِوَايَةٍ : وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ
( قَالَ فِيهَا الْعَقْلُ ) أَيْ : الدِّيَةُ وَأَحْكَامُهَا يَعْنِي : فِيهَا ذِكْرُ مَا يَجِبُ لِدِيَةِ
النَّفْسِ وَالْأَعْضَاءِ مِنَ الْإِبِلِ وَذِكْرُ أَسْنَانٍ تُؤَدَّى فِيهَا وَعَدَدِهَا .
( وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ : فِيهَا حُكْمُ تَخْلِيصِهِ
وَالتَّرْغِيبُ فِيهِ ، وَأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُهْتَمَّ بِهِ
( وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ ) قَالَ الْقَاضِي هَذَا عَامٌّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ
لَا يُقْتَلُ بِكَافِرٍ قِصَاصًا سَوَاءٌ الْحَرْبِيُّ وَالذِّمِّيُّ ،
وهُوَ قَوْلُعُمَرَوَعُثْمَانَوَعَلِيٍّوَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُم أجمعين،
وَبِهِ قَالَعَطَاءٌوَعِكْرِمَةُوَالْحَسَنُوَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَالثَّوْرِيُّ،وَابْن شُبْرُمَةَوَالْأَوْزَاعِيُّ،وَمَالِكٌوَالشَّافِعِيُّ
وقِيلَ : يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ ، وَالْحَدِيثُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِهِ ،
وَهُوَ قَوْلُالنَّخَعِيِّوَالشَّعْبِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُأَبِي حَنِيفَةَلِمَا رَوَى
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْبَيْلَمَانِيِّأَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ