الأخ / عبد العزيز - الفقير إلى الله
{ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }
أَيْ : مُخْلِص مِنْ الشِّرْك وَالشَّكّ .
وَقَالَ عَوْف الْأَعْرَابِيّ : سَأَلْت مُحَمَّد بْن سِيرِينَ مَا الْقَلْب السَّلِيم ؟
فَقَالَ : النَّاصِح لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي خَلْقه .
وَذَكَرَ الطَّبَرِيّ عَنْ غَالِب الْقَطَّان وَعَوْف وَغَيْرهمَا
عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول لِلْحَجَّاجِ :
[ مِسْكِين أَبُو مُحَمَّد إِنْ عَذَّبَهُ اللَّه فَبِذَنْبِهِ وَإِنْ غَفَرَ لَهُ فَهَنِيئًا لَهُ
وَإِنْ كَانَ قَلْبه سَلِيمًا فَقَدْ أَصَابَ الذُّنُوبَ مَنْ هُوَ خَيْر مِنْهُ]
قَالَ عَوْف : فَقُلْت لِمُحَمَّدٍ مَا الْقَلْب السَّلِيم ؟
قَالَ : أَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه حَقّ وَأَنَّ السَّاعَة قَائِمَة وَأَنَّ اللَّه يَبْعَث مَنْ فِي الْقُبُور .
وَقَالَ هِشَام بْن عُرْوَة : كَانَ أَبِي يَقُول لَنَا :
يَا بَنِيَّ لَا تَكُونُوا لَعَّانِينَ أَلَمْ تَرَوْا إِلَى إِبْرَاهِيم لَمْ يَلْعَن شَيْئًا قَطُّ .
{ إِذْ جَاءَ رَبّه بِقَلْبٍ سَلِيم }
وَيَحْتَمِل مَجِيئهُ إِلَى رَبّه وَجْهَيْنِ :
أَحَدهمَا عِنْد دُعَائِهِ إِلَى تَوْحِيده وَطَاعَته الثَّانِي عِنْد إِلْقَائِهِ فِي النَّار .
{ كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
" كَلَّا " : رَدْع وَزَجْر أَيْ لَيْسَ هُوَ أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ .
وَقَالَ الْحَسَن : مَعْنَاهَا حَقًّا :" رَانَ عَلَى قُلُوبهمْ " .
وَقِيلَ : فِي التِّرْمِذِيّ :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( إِنَّ الْعَبْد إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَة , نُكِتَتْ فِي قَلْبه نُكْتَة سَوْدَاء ,
فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّه وَتَابَ سقِلَ قَلْبه ,
وإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُو عَلَى قَلْبه )
[ هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح]
وَهُوَ ( الرَّان ) الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي كِتَابه :
{ كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
وَكَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ :
[ هُوَ الذَّنْب عَلَى الذَّنْب حَتَّى يَسْوَدَّ الْقَلْب]
قَالَ مُجَاهِد : هُوَ الرَّجُل يُذْنِب الذَّنْب فَيُحِيط الذَّنْب بِقَلْبِهِ
ثُمَّ يُذْنِب الذَّنْب فَيُحِيط الذَّنْب بِقَلْبِهِ حَتَّى تُغْشِي الذُّنُوب قَلْبه .
قَالَ مُجَاهِد :هِيَ مِثْل الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْبَقَرَة :
{ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً }
وَنَحْوه عَنْ الْفَرَّاء قَالَ :
يَقُول كَثُرَتْ الْمَعَاصِي مِنْهُمْ وَالذُّنُوب فَأَحَاطَتْ بِقُلُوبِهِمْ فَذَلِكَ الرَّيْن عَلَيْهَا .
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَيْضًا قَالَ :
الْقَلْب مِثْل الْكَهْف وَرَفَعَ كَفَّهُ فَإِذَا أَذْنَبَ الْعَبْد الذَّنْب اِنْقَبَضَ وَضَمَّ إِصْبَعه
فَإِذَا أَذْنَبَ الذَّنْب اِنْقَبَضَ
وَضَمَّ أُخْرَى حَتَّى ضَمَّ أَصَابِعه كُلّهَا حَتَّى يُطْبَع عَلَى قَلْبه .
قَالَ : وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الرَّيْن
{ كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
وَمِثْله عَنْ حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ سَوَاء
وَقَالَ بَكْر بْن عَبْد اللَّه : إِنَّ الْعَبْد إِذَا أَذْنَبَ صَارَ فِي قَلْبه كَوَخْزَةِ الْإِبْرَة
ثُمَّ صَارَ , إِذَا أَذْنَبَ ثَانِيًا صَارَ كَذَلِكَ ثُمَّ إِذَا كَثُرَتْ الذُّنُوب صَارَ الْقَلْب
كَالْمُنْخُلِ أَوْ كَالْغِرْبَالِ لَا يَعِي خَيْرًا وَلَا يَثْبُت فِيهِ صَلَاح .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي " الْبَقَرَة " الْقَوْل فِي هَذَا الْمَعْنَى بِالْأَخْبَارِ الثَّابِتَة
عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهَا .
الفقير الي الله عبد العزيز