كتبه / الشيخ صلاح عبد المعبود
الحمد لله الذي امتن على عباده بمواسم الخيرات ، تضاعف لهم فيها
الحسنات وتمحى فيها السيئات وترفع فيها الدرجات ، فله الفضل والمنة
على عباده بهذه النعم ، وله الحمد سبحانه وتعالى على ما أعطانا
من هذه العبادات العظيمة التي يقوم بها شأن الدين
وتزكى بها النفوس وتتجه إلى الخالق جل وعلا .
ومن هذه المواسم ما شهد النبي بأنها أفضل أيام الدنيا ، ألا وهي
عشر ذي الحجة ، فقد روى البخاري في صحيحه
عن ابن عباس رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( ما من أيام أعظم ولا أحب إلى الله العمل فيهن
من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن
من التهليل والتكبير والتحميد )
بل إن الله عز وجل أقسم بهن
}وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ{
قال ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وقتادة
والضحاك والسدي ومقاتل ومسروق وغير واحد من السلف :
ومعلوم أن الله إذا أقسم بشئ دل ذلك على عظمته وأهميته ،
وفي هذه العشر أعمال فاضلة وطاعات متعددة ينبغي
على المسلم أن يحرص عليها ، منها :
وهو أفضل ما يعمل ، ويدل على فضلة عده أحاديث ،
منها ما رواه مسلم في صحيحه
( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما
والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )
2) الإكثار من الأعمال الصالحة :
من نوافل العبادات كالصلاة ، والصدقة ، والجهاد ، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ، ونحو ذلك ، فإنها من الأعمال التي تضاعف
في هذه الأيام ، فالعمل فيها وإن كان مفضولا فأنه أفضل وأحب إلى الله
من العمل في غيرها وإن كان فاضلا ، حتى الجهاد الذي هو
أفضل الأعمال ، إلا من عقر جواده وأهرق دمه.
فيسن للمسلم صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها ، وبالأخص يوم عرفة
ولا شك أن جنس الصيام من أفضل الأعمال ، وهو مما اصطفاه الله لنفسه
( الصوم لي وأنا أجزي به )
وروى مسلم في صحيحه عن أبي قتادة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
( صيام يوم عرفة أحتسب على الله
أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده )
قال ابن رجب الحنبلي في ( لطائف المعارف ) (280-283) :
استحباب الإكثار من الذكر فيها ، فقد دل عليه
} لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ
عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا
وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ {
فإن الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء .
( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد )
هل يشرع إظهار التكبير والجهر به في الأسواق في العشر ؟
فأنكره طائفة ، واستحبه أحمد والشافعي ، لكن الشافعي
خصه بحال رؤية بهيمة الأنعام ، وأحمد يستحبه مطلقا .
وقد ذكر البخاري في صحيحه معلقا بصيغة الجزم عن ابن عمر
وأبي هريرة أنهما كانا يخرجان إلي السوق فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما
وروى عفان عن مجاهد قال :كان أبو هريرة وابن عمر يأتيان السوق أيام
العشر ، فيكبران ويكبر الناس معهما ، ولا يأتيان لشئ إلا لذلك .
والتكبير في هذا الزمان صار من الطاعات المهجورة ، ولا سيما
في أول العشر ، وينبغي الجهر به في مواضعه إظهارا للعبادة وإحياء
للسنة وتنبيها للغافلين . وصيغ التكبير :
(الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر كبيرا)
و(الله أكبر ، الله أكبر لا اله إلا الله ،
والله أكبر الله أكبر و لله الحمد)
والإقلاع عن المعاصي والذنوب ،والتخلص من مظلم العباد
وحقوقهم ، فإن العبد لا يدري في أي لحظة يموت .
وهي ما يذبح من بهيمة الأنعام يوم النحر وأيام التشريق تقربا إلى
الله تعالى ، وهو شعار ظاهر وعبادة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع ،
وذهب أكثر أهل العلم إلى أنها سنة مؤكدة في الموسر ولا تجب عليه ،
وتكون واجبة بلا خلاف إذا نذرها صاحبها أو عينها بأن حدد شاة يملكها ،
وقال : هذه أضحية هذا العام ، وذبحها أفضل من التصدق بثمنها .
قال ابن القيم رحمه الله :
الذبح في موضعه أفضل من الصدقة ولو زاد ـ يعني ولو زاد في ثمنه
فتصدق بأكبر منه ـ فإن نفس الذبح إراقة الدم مقصود
فإنه عبادة مقرونة بالصلاة
} قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ
وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{
ففي كل ملة صلاة ونسيكة لا يقوم غيرها مقامها ، ولهذا لو تصدق
عن دم المتعة والقران بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه
لا تصح الأضحية إلا بعد الانتهاء من صلاة العيد وخطبته ، فإن ذبح
قبل ذلك لا تجزئه وعليه أن يذبح بدلا منها ،لما رواه البخاري ومسلم
في صحيحهما من حديث البراء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ، ثم نرجع فننحر
من فعله فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم
قدمه لأهله ليس من النسك في شئ ).