إن من أهم فوائد الصوم كذلك تيقن المريض بإمكانية الشفاء وعدم
استحالته ، والاطمئنان إلى وجود القدرة النافذة والإرادة المُنجِزة طوال
ساعات الصوم ، مما يجعل الاستمرار على الاهتداء أسهل
والمداومة ممكنة إذا وُجِدت النية.
يقول ابن القيِّم مبيِّنا الحقيقة السابقة :
" وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة ، والقوى الباطنة ،
وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها
أفسدتها ، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحَّتها ؛ فالصوم
يحفظ على القلب والجوارح صحتها ، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات " .
ولهذا جاء رمضان جرعة إجبارية سنوية يتناولها كل مسلم ، لينال
الجميع من هذه الجرعة الحد الأدنى والفائدة الأساسية المرتجاة فضلا
من الله ونعمة.
3. صناعة النفس الذلول :
كما تجمح الدابة أحيانا فتهوي بصاحبها ، كذا تجمح النفس أحيانا كثيرة
فتهوي بصاحبها إلى مهاوي سحيقة من غضب الله وسخطه ، وتفور كما
تفور القِدر إذا استجمعت غليانا ، لذا ألزمنا الله سبحانه بالصوم حتى
إذا جاع العاتي منا وظمئ ذلَّت نفسه ، وتصدَّع كبره وفخره ، وأحس أنه
- مهما أوتي - فهو مسكين تُقعده اللقمة إذا فُقدت ، وتُضعفه جرعة الماء
إذا مُنعت ، وهنالك ينزل من عليائه ويخفِّف من غلوائه ، ويعترف بفضل
الله عليه حتى في كسرة الخبز ورشفة الماء ، ومتى عرف فضل
الله تواضع ، ومتى تواضع استقام ، ومتى استقام شُفي مما
عاناه من بغي وعتو واستطالة وعلو.
إنها القوة المكتسبة من الصوم ولو كنت في أدنى درجات القوة
وقهر الضعف ولو كنت غارقا في لجة الضعف ،
4. قتل بذور الشر :
قال ابن القيم :
" وأما فضول الطعام : فهو داع إلى أنواع كثيرة من الشر ؛ فإنه يحرك
الجوارحَ إلى المعاصي ، ويثقلُها عن الطاعات ، وحسبك بهذين شرا ،
فكم من معصية جَلَبها الشبعُ ، وفضول الطعام ، وكم من طاعة حال دونها
؛ فمن وُقِي شرَّ بطنه ؛ فقد وُقِي شراً عظيما ، والشيطان أعظم
ما يتحكَّم من الإنسان إذا ملأ بطنه من الطعام " .
إلى أن قال رحمه الله :
" ولو لم يكن من الامتلاء من الطعام إلا أنه يدعو إلى الغفلة عن ذكر الله
عز جل ، وإذا غفل القلب عن الذكر ساعةً واحدةً جَثَم عليه الشيطانُ
ووعده ، ومنَّاه ، وشهَّاه وهام به في كل وادٍ ؛ فإن النفس إذا شبعت
تحرَّكت ، وجالت وطافت على أبواب الشهوات ،
وإذا جاعت سكنت وخشعت وذلت " .
إنها الحماية الأكيدة والدفاع المتين والوقاية من كيد الشيطان
والتي بدورها تؤدي إلى الوقاية من النيران.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( الصيام جُنَّة ، وهو حصن من حصون المؤمن )
أخي .. كيف تجمع مع النوم الشبع؟!
إن لم يكن قيام فصيام ، في متناول يديك شفيعان ؛
إن فاتك الأول فعليك بالثاني ،
وإلا لم تجد من يقف بجوارك يوم لا تنفع الشفاعة عنده إلا بإذنه.
5. دواء الدنيا والآخرة :
قال مالك بن دينار لحوشب :
لا تبيتن وأنت شبعان ، ودع الطعام وأنت تشتهيه ، فقال حوشب :
هذا وصف أطباء أهل الدنيا. قال : ومحمد بن واسع يستمع كلامهما ،
فقال محمد : نعم ، ووصف أطباء طريق الآخرة ، فقال مالك :
" بخ بخ للدين والدنيا " .
وقد كان أسلافنا الكبار ينهون عن كثرة الأكل ؛ ويقولون :
المعدة بيت الداء
وقد قال لقمان لابنه :
يا بني! إذا امتلأت المعدة ، نامت الفكرة ، وخرست الحكمة
وقعدت الأعضاء عن العبادة ،
حتى حاتم الطائي قال وهو في الجاهلية :
فإنَّك إن أعطيتَ بطنك سؤله وفرجَك نالا منتهى الذمِّ أجمعا
وقد غدت السمنة داء العصر ، وهي تنتج إما عن إسراف في تناول الطعام
، أو الضغوط النفسية أو الاجتماعية مما يؤدي إلى الإصابة بالسمنة ،
والصوم يقضي على العاملين معا ويولد الاستقرار البدني والنفسي ؛
نتيجة الجو الإيماني المحيط بالصائم والذكر والعبادة
، وتهذيب النوازع والرغبات ، وتوجيه الطاقة النفسية
توجيها إيجابيا نافعا.
منقول