الأخت / المـلكــة نــور
بعض اللمسات البيانية في سورة الكهف
بقلم الدكتور / فاضل السامرائي
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا {1}
قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ
وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا {2}
مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا {3} وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا }
في سورة الكهف قال الله تعالى :
{ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا }
س - فلماذا لم تستخدم كلمة ( خالدين ) ؟
المكث في اللغة : هو الأناة واللبث والانتظار
وليس بمعنى : الخلود أصل المكث.
{ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا }
والأجر الذي يُدفع مقابل العمل وننظر ماذا يحصل بعد الأجر .
والجنّة تكون بعد أن يوفّى الناس أجورهم .
فالمقام هنا إذن : مقام انتظار وليس مقام خلود
بعد وعلى قدر ما تأخذ من الأجر يكون الخلود فيما بعد الأجر
وهو الخلود في الجنّة . ومن حيث الدلالة اللغوية الأجر ليس هو الجنّة
لذا ناسب أن يأتي بالمكث وليس الخلود للدلالة على الترقّب لما بعد الأجر .
س- ما اللمسة البيانية في استخدام (فأردت) (فأردنا) (فأراد ربك )
في سورة الكهف في قصة موسى والخضر ؟
الملاحظ في القرآن كله أن الله تعالى لا ينسب السوء إلى نفسه ؛
أما الخير والنِعم فكلها منسوبة إليه تعالى
{ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ
وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا }
ولا نجد في القرآن فهل زيّن لهم سوء أعمالهم أبدا
{ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ }
وكذلك في قول الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام
{ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ }
{ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }
ولم يقل يمرضني تأدباً مع الله تعالى :
{ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ
فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا
وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً }
في هذه الآية : الله تعالى لا ينسب العيب إلى نفسه أبداً
فكان الخضر هو الذي عاب السفينة فجاء الفعل مفرداً .
{ فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً
فيها اشتراك في العمل قتل الغلام والإبدال بخير منه حسن
فجاء بالضمير الدالّ على الاشتراك .
في الآية إذن : جانب قتل وجانب إبدال فجاء جانب القتل من الخضر
وجاء الإبدال من الله تعالى لذا جاء الفعل مثنّى .
{ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ
وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً
فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ
وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }
الجدار كلّه خير فنسب الفعل لله وحده
وأنه يدلّ على أن الله تعالى هو علاّم الغيوب
وسبق في علمه أن هذا الجدار تحته كنز لهما
وأنه لو سقط سيأخذ أهل القرية المال من الأولاد اليتامى
وهذا ظلم لهم والله تعالى ينسب الخير لنفسه عزّ وجلّ .
وهذا الفعل في الآية ليس فيه اشتراك
وإنما هو خير محض للغلامين وأبوهما الصالح
والله تعالى هو الذي يسوق الخير المحض .
وجاء بكلمة رب في الآيات بدل لفظ الجلالة ( الله )
للدلالة على أن الرب هو المربي والمعلِّم والراعي والرازق
والآيات كلها في معنى الرعاية والتعهد والتربية
لذا ناسب بين الأمر المطلوب واسمه الكريم سبحانه .
س- ما الفرق بين كلمة ( قرية ) و كلمة ( مدينة ) في القرآن الكريم
كما وردتا في سورة يس وسورة الكهف ؟
في اللغة : إذا اتّسعت القرية تُسمى مدينة ،
والقرية قد تكون صغيرة وقد تكون كبيرة.
وفي سورة يس وردت الكلمتان :
{ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ }
و { وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ }
أي أن أصحاب القرية جدّوا في التبليغ
حتى وصل إلى أبعد نقطة في المدينة مع بُعدها.
{ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى }
أي أن هذا الرجل جاء يحمل همّ الدعوة والتبليغ .
ووصل التبليغ إلى أقصى نقطة في المدينة مع أنها متّسعة
وهذا فيه دليل على جهدهم لنشر الدعوة
والذي جاء حمل همّ الدعوة من أقصى المدينة .
{ فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا
فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ
قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }
و{ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ
وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً
فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ
وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }
استطعم موسى والخضر أهل القرية على سعتها
أي أنهما جالا فيها كلها وبلغ بهم الجوع كثيراً حتى استطعموا أهلها .