وكان عبد الله بن المبارك يجاهد في سبيل الله بسيفه، حتى إن كثيرًا ممن
أتوا ليستمعوا إلى علمه، كانوا يذهبون إليه فيجدونه في الغزو،
وكان يرى أن الجهاد فريضة يجب أن يؤديها المسلمون كما أداها
الرسول-صلى الله عليه وسلم- ويروى عنه أنه أرسل إلى صاحبه الفضيل
بن عياض يحثُّه على قتال الأعداء، ويدعوه
إلى ترك البكاء عند البيت الحرام قائلاً له:
يــا عابِدَ الحرَميْن لـو أبْصَــرْتَنا
لَــعلِمْتَ أنَّكَ في العبَادةِ تَلْعَبُ
من كان يَخْضِبُ خـدَّه بدُمُـــوعِه
فنحوُرنـــا بدمائِنا تتخضَّب
أوْ كــان يُتْعب خيلَه فــي باطل
فخيولُنا يوم الصبيحــة تَتْعبُ
ريح العبير لكـم، ونحن عبيرُنا
رَهَجُ السَّنَابك والغبارُ الأطيبُ
وأحبَّ عبد الله بن المبارك أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-حبًّا
عظيمًا وكان لا يجيب أحدًا يسأله عن حديث منها وهو يمشي،
وكان حفَّاظ الحديث في الكوفة إذا اختلفوا حول حديث قالوا:
مروا بنا إلى هذا الطبيب نسأله (يقصدونعبد الله بن المبارك).
ولقد اجتمع نفر من أصحابه يومًا وقالوا: تعالوا نعد خصال ابن المبارك
جمع العلم،والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والشعر، والفصاحة والزهد،
والورع، والإنصاف، وقيام الليل، والعبادة،والفروسية، والشجاعة،
والشدة في بدنه، وترك الكلام في ما لا يعنيه.. حتى أجهدهم العدُّ.
ولقد قدر الناس عبد الله بن المبارك وزادت مهابته لديهم على مهابة
هارون الرشيد.. رُوي أن هارون الرشيد قدم ذات يوم إلى (الرقَّة) فوجد
الناس يجرون خلف عبد الله بن المبارك لينظروا إليه، ويسلموا عليه،
فنظرت زوجةهارون الرشيد من شباك قصرها، فلما رأت الناس قالت:
ما هذا ؟! قالوا: عالم من خراسان
قدم (الرقَّة) يقال له(عبد الله بن المبارك)
فقالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس
وفي يوم من أيام شهر رمضان سنة 181هـ توفي عبد الله بن المبارك
وهو راجع من الغزو،وكان عمره ثلاثة وستين عامًا، ويقال:
إن الرشيد لما بلغه موت عبدالله، قال:
في الله اخوكم مصطفى الحمد