إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
مصادر العقيدة عند أهل السنة والجماعة
العقل مصدر من مصادر المعرفة الدينية، إلا أنه ليس مصدراً مستقلاً؛
بل يحتاج إلى تنبيه الشرع، وإرشاده إلى الأدلة؛ لأن الاعتماد على محض العقل،
سبيل للتفرق والتنازع ، فالعقل لن يهتدي إلا بالوحي، والوحي لا يلغي العقل.
وقد رفع الوحي من قيمة العقل وحث على التعقل، وأثنى على العقلاء
}فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الألْبَابِ {
والنصوص الشرعية قد جاءت متضمنة الأدلة العقلية صافية من كل كدر،
فما على العقل إلا فهمها وإدراكها، فمن ذلك:
}لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا
فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ {
} أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ {
} وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {
وخوض العقل في أمور الإلهيات باستقلال
عن الوحي مظنة الهلاك وسبيل الضلال.
يقول ابن رشد الفيلسوف -وهو ممن خاض بالعقل
في مسائل الاعتقاد وطالت تجربته-:
لم يقل أحد من الناس في العلوم الإلهية قولا يعتد به، وليس يعصم أحد
من الخطأ إلا من عصمه الله تعالى بأمر إلهي خارج عن طبيعة الإنسان،
وهم الأنبياء . والمقارنة بين طريقة الوحي وطرق الفلاسفة والمتكلمين
في بحث أمور العقيدة هي مقارنة بين الصواب والخطأ،
والصحيح والفاسد، والنافع والضار.
يقول الرازي - بعد طول بحث -:
ولقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيت فائدة تساوي
الفائدة التي وجدتها في القرآن. وقال: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج
الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق
طريقة القرآن.. ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي .
فميزان صحة المعقولات هي الموافقة للكتاب والسنة.
وأما أهل الحق فجعلوا الكتاب والسنة أمامهم، وطلبوا الدين من قبلهما،
وما وقع لهم من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتاب والسنة،
فإن وجدوه موافقاً لهما قبلوه، وشكروا الله حيث أراهم ذلك ووفقهم
عليه، وإن وجدوه مخالفاً لهم تركوا ما وقع لهم، وأقبلوا على الكتاب
والسنة، ورجعوا بالتهمة على أنفسهم . والعقل قد يهتدي بنفسه
إلى مسائل الاعتقاد الكبار على سبيل الإجمال، كإثبات وجود الله
مع ثبوت ذلك في الفطرة أولاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
واعلم أن عامة مسائل أصول الدين الكبار مما يعلم بالعقل . أما مسائل
العقيدة التفصيلية مما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته ورسوله وأنبيائه،
وما يجب لهم وما يستحيل، فما كانت العقول لتدركها لولا مجيء الوحي.
قال أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني:
ولأن العقل لا مجال له في إدراك الدين بكماله، وبالعلم يدرك بكماله
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
لا تحسبن أن العقول لو تركت وعلومها التي تستفيدها بمجرد النظر،
عرفت الله معرفة مفصلة بصفاته وأسمائه على وجه اليقين .
وقال اللالكائي رحمه الله:
سياق ما يدل من كتاب الله عز وجل، وما روي عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم، على أن وجوب معرفة الله تعالى وصفاته
بالسمع لا بالعقل، قال الله تعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم
بلفظ خاص والمراد به العام:
}فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّه {
} وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ
أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ {
فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن بالسمع
الوحي عرف الأنبياء قبله التوحيد...وكذلك وجوب معرفة الرسل بالسمع،
}قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ
الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {