شرع الله عزّ وجلّ العبادات والشّعائر لحكم عظيمة ومصالح عديدة
، لا ليضيّق بها على النّاس، ولا ليجعل عليهم في الدِّين من حرج،
فهي تزكي النفوس وتطهّر القلوب، وتقرّب العباد من ربّهم
سبحانه وتعالى، وفي كلّ فريضة من فرائض الإسلام
امتحان لإيمان المسلم وعقله وإرادته.
للحج أسرارًا بديعة وحكمًا متنوعة وبركات متعدّدة، ومنافع مشهودة
سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الأمة، ينبغي للحاج أن يقف
عندها، وأن يمعن النّظر فيها، وأن يستشعرها وهو يؤدّي هذه الفريضة،
حتّى يحقّق الحجّ مقصوده وآثاره.
فالحجّ من أعظم المواسم الّتي يتربّى
فيها العبد على تقوى الله عزّ وجلّ،
{ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ
فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {
الحج.32 وأَمَرَ الحجيج بالتزود من التقوى،
} الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ
وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ
وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ {
وبيّن أنّ المعنى الّذي شرع من أجله الهدي
والأضاحي إنّما هو تحصيل هذه التّقوى،
} لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا
وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ {
وللحجّ أسرار ومنافع كثيرة منها تحقيق العبودية لله، فكلّما ازداد العبد تحقيقًا لها ازداد كماله، وعلت درجته. وفي يتجلّى هذا المعنى غاية التجلي
من تذلّل لله وخضوع وانكسار بين يديه، فالحاج يخرج من ملاذ الدنيا
مهاجرًا إلى ربّه تاركًا ماله وأهله ووطنه متجرّدًا من ثيابه، لابسًا إحرامه،
حاسرًا عن رأسه، متواضعًا لربّه، تاركًا الطّيب والنّساء، متنقّلاً
بين المشاعر بقلب خاضع، وعين دامعة، ولسان ذاكر
يرجو رحمة ربّه ويخشى عذابه.
وكذلك إقامة ذِكر الله عزّ وجلّ، فالذِّكر هو المقصود الأعظم للعبادات،
فما شرعت العبادات إلاّ لأجله، وما تقرَّب المتقرّبون بمثله.
ويتجلّى هذا المعنى في الحجّ غاية التجلي، فما شُرِع الطواف
بالبيت العتيق، ولا السّعي بين الصفا والمروة، ولا رمي الجمار
} لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ {
} لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ
مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ
وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ(198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ
النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ
مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرً ا{
والحجّ فرصة عظيمة للإقبال على الله بشتى القُربات، إذ يجتمع في الحجّ من العبادات ما لا يجتمع في غيره؛ فيشارك الحجّ غيره من الأوقات
بالصّلوات وغيرها من العبادات الّتي تفعل في الحجّ وغير الحجّ،
وينفرد بالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار
وإراقة الدماء، وغير ذلك من أعمال الحجّ.
كما أنّ الحجّ وسيلة عُظمى لحطّ السيّئات،
ورفعة الدرجات، فهو يهدم ما كان قبله،
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
لعمرو بن العاص رضي الله عنه: '
( أمَا علمتَ أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله،
وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها،
وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله )
والحجّ أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
''سئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
( أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثمّ ماذا؟
قال: جهاد في سبيل الله. قيل: ثمّ ماذا؟ قال: حجّ مبرور )
وقـال عليـه الصّـلاة والسّلام:
رواه مسلم.

تفسير الجلالين للآية 197 من سورة البقرة
شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة وقيل كله
وفي قراءة بفتح الأولين والمراد في الثلاثة النهي
فيجازيكم به، ونزل في أهل اليمن وكانوا
يحجون بلا زاد فيكون كلاًّ على الناس:
ما يُتَّقى به سؤال الناس وغيره
{ واتقون يا أولي الألباب }