شرح حديث حذيفة في الفتن
بداية نحن في فتن عظيمة فتن بها الكبير والصغير والعالم والمتعلم ,
وقد بدأت تطل علينا وان كانت من قبل ,
ولكنها ظهرت الآن ظهورا فاضحا مع تداعي الأمم ,
وأصبحنا فريقين دعاة على أبواب الجنة الثمانية ,
فطوبي لمن جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر ,
ودعاة على أبواب النار السبعة , لكل باب منهم جزء مقسوم ,
وويل لمن جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير , وكل فتنة لها أسباب ,
ومن أعظم أسبابها : أعراض الناس عن الدين .
لقد ابتلينا بالفقر والجوع والخوف , وثبت كثير من الناس على دينهم ,
ولم يتنازلوا عنه ولا عن أعراضهم , ثم ابتلوا بفتنة السراء ,
وفتحت عليهم الدنيا التي خشيها رسول الله .
فقال :
( الفقر تخافون ؟
والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صبا ،
حتى لا يزيغ قلب أحدكم إن أزاغه إلا هي )
لقد كفرت النعم على جميع المستويات إلا من رحم ربك .
ومن تأمل أحوال المسلمين وجدهم ,
إذا فتحت عليهم الدنيا فرطوا في أمر الله وتنكبوا الجادة ,
وإننا إذا رجعنا إلى ديننا صارت الفتن خير في حقنا ,
فمن قاومها , فقد اهتدى وتغلب على نفسه , وشياطين الإنس والجن ,
ومن لم يقاوم , واستسلم ضل وفتن .
وقد يتساءل متسائل فيقول : فلماذا بلينا بالفتن ؟
والجواب : كله بسبب امتحان الله لنا ,
لينظر مدى امتثال المكلف ومدى تعلقه بربه وارتباطه .
هل يؤثر الحياة الدنيا أم يؤثر الدار الآخرة ؟
وينظر مدى تمسك الأمة بدينها .
والعلاج : أن يحرص كل واحد فينا على صلاح نفسه , والبعد عن الفتن ,
من سمع بالدجال فلينأ عنه , فان الرجل يأتيه وهو يظن ألا يفتن فيفتن ,
مما معه من الفتن مع على صلاح من تحت يده في بيت أو مسجد أو عمل
أو مدرسة بحسب قدرته حتى تنجوا الأمة ,
اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا , وان نفتن في ديننا ,
ونعوذ بك أن نكتسب خطيئة محبطة أو ذنبا لا تغفره .
وإذا عرف هذا فتعالوا لنسمع حديث الرجل المتخصص في هذا الباب
من أصحاب نبينا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه :
( أخبَرني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
بما هو كائنٌ إلى أن تقومَ الساعةُ . فما منه شيءٌ إلا قد سألتُه .
إلا أني لم أسألْه : ما يُخرِجُ أهلَ المدينةِ من المدينةِ ؟ )
وقد أجاب عليه أبو هريرة ,
وأعظم حديث ينبغي الوقوف هذا حديث الذي سيأتي ,
وقد جمع الألباني زوائد حديث حذيفة في السلسلة في المجلد السادس ,
وشرحت هذا الحديث ضمن شرحي للأربعين النووية وسميته القلائد الحسان
شرح حديث حذيفة بن اليمان
وقد اخترت رواية الإمام البخاري عن حذيفة
أ نه سمع حذيفة بن اليمان يقول :
( كان الناسُ يَسأَلونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الخيرِ ،
وكنتُ أسأَلُه عنِ الشرِّ ، مَخافَةَ أن يُدرِكَني ، فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ،
إنا كنا في جاهليةٍ وشرٍّ ، فجاءنا اللهُ بهذا الخيرِ ،
فهل بعدَ هذا الخيرِ من شرٍّ ؟ قال : ( نعمْ ) .
قلتُ : وهل بعدَ ذلك الشرِّ من خيرٍ ؟ قال : ( نعمْ ، وفيه دَخَنٌ ) .
قلتُ : وما دَخَنُه ؟ قال : ( قومٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَديِي ،
تَعرِفُ منهم وتُنكِرُ ) . قلتُ : فهل بعدَ ذلك الخيرِ من شرٍّ ؟
قال : ( نعمْ ، دُعاةٌ على أبوابِ جَهَنَّمَ ، مَن أجابهم إليها قَذَفوه فيها ) .
قلتُ : يا رسولَ اللهِ صِفْهم لنا ،
قال : ( هم من جِلدَتِنا ، ويتكَلَّمونَ بألسِنَتِنا ) .
قلتُ : فما تأمُرُني إن أدرَكني ذلك ؟
قال : ( تَلزَمُ جماعةَ المسلمينَ وإمامَهم ) .
قلتُ : فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمامٌ ؟
قال : ( فاعتَزِلْ تلك الفِرَقَ كلَّها ، ولو أن تَعَضَّ بأصلِ شجرةٍ ،
حتى يُدرِكَك الموتُ وأنت على ذلك )
شرح الحديث :
هذا الحديث علم من أعلام النبوة بين فيه رسول الله حال الأمة
هذه الأمة وتعاقب الخير والشر عليها .
أما قوله : كان الناس يسالون رسول الله عن الخير ليعملوا به
وكنت اسأله عن الشر لأتقيه ,
لان الإنسان بين أمرين خيرا يعمله أو شرا يتقيه
وعلل ذلك بقولة :
( مخافة أن يدركني )
والأمر الثاني : سألته عن الشر كي ما اعرفه فاتقيه .
قوله :
( إنا كنا في جاهلية وشر )
كان الناس في جاهليه جهلاء وعماية عمياء
في عقائدهم ومعاملاتهم وعباداتهم.
كانوا يعبدون الأشجار والأحجار والأصنام وكان السلب والنهب والقتل
وكانت الحروب والغزو والزنا والربا وشرب الخمور.
فعم الفساد على وجه الأرض فنظر الله إلى أهل الأرض عربهم وعجمهم
فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب فرحمهم الله ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم
{ وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ }
[ الأنبياء : 107 ]
ليخرجهم من ظلمات الجاهلية والجهل إلى نور الإسلام والإيمان
فعبد الله وحده, فتحول الخوف إلى امن ,
وتحولت العداوة والبغضاء إلى محبة,
وتحولت الفرقة والاختلاف إلى وحدة واجتماع ,
وصلحت الأرض بالتوحيد والطاعة .