وفُسِّر قول الفراء على زيادة الواو ، ونسِب ذلك إلى الكوفيين ،
وفُسِّر قول الخليل وسيبويه على أن الواو عاطفة على ما قبلها ،
والجواب محذوف ونسِب ذلك إلى البصريين .
وإلى ذلك أشار النحاس بقوله :
" فالكوفيون يقولون : زائدة . وهذا خطأ عند البصريين ؛
لأنها تفيد معنى ، وهي للعطف ههنا ، والجواب محذوف".
ثم اختلفوا في موضع هذا الجواب المزعوم حذفه على قولين :
أحدهما : قبل الواو . والثاني : بعد الواو .
واختلفوا أيضًا في تقديره على أقوال ؛ أشهرها قول الزجاج ،
ونصه الآتي :
والذي قلته أنا – و هو القول إن شاء الله - أن المعنى :
{ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا
وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ }
[ الزمر : 73 ]
دخلوها .. وحذف ؛ لأن في الكلام دليلاً عليه .
واختار الطبري قول الزجاج على أنه أولى الأقوال بالصواب ،
مع تجويزه لقول الفراء .
وقال الزركشي : ويحتمل أن يكون التقدير : { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا }
أذن لهم في دخولها – { وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } .
ثم اختلفوا في معنى الواو على هذا القول على قولين :
أحدهما : أنها واو العطف . والثاني : أنها واو الحال ،
وإليه ذهب الزجاج ، والزمخشري، وأبو حيان ، وأجاز الزركشي القولين معًا
وحكى القرطبي عن أبي بكر بن عياش أنها واو الثمانية ،
وذكر أن من عادة قريش إذا عدوا، قالوا : خمسة ، ستة ، سبعة ، ثمانية .
ولما كانت أبواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة ،
أدخلت الواو في آية أهل الجنة ، ولم تدخل في آية أهل النار .
وقد ضعِّف هذا القول من قبل الكثيرين..
وأخيرًا استقرَّ رأي جمهور المتأخرين على أنها واو الحال ،
وأن المعنى :
{ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا }
[ الزمر : 73 ]
دخلوها . أو ما شابه ذلك .
وعدُّوا حذف الجواب من بلاغة القرآن و إعجازه .
وعن الحكمة في إثبات الواو في الثاني قال بعضهم :
لمّا قال الله عز وجل في أهل النار :
{ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا }
[ الزمر : 73 ]
دل على أنها كانت مغلقة ..
ولمّا قال في أهل الجنة :
{ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا }
[ الزمر : 73 ]
دل على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها .
وقد وقع هذا القول موقع الإعجاب في نفوس الكثير من الدارسين ،
والباحثين المعاصرين ، من علماء اللغة والنحو والتفسير ،
أذكر منهم : الدكتور/ فضل حسن عباس ،
صاحب كتاب( لطائف المنان و روائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن ) .
لقد تحدث الدكتور/ فضل عن هذه الواو ، فصال وجال ،
وأتى بالعجب العجاب ، فكان كالمعري ،
الذي وصف نفسه بقوله :
وإني و إن كنت الأخير زمانه *** لآت بما لم تستطعه الأوائل
وبدأ حديثه عن هذه الواو بهجومه العنيف على الفراء ،
واتهمه بسوء النظر و الفكر معًا .. ثم زعم أن هذه الواو صاحبة رسالة ،
مستشهدًا على ذلك بقوله تعالى :
{ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }
[ الأنعام : 124 ]
ثم ذكر مدَّعيًا أن حذف الجواب في الآية من دقائق الإعجاز ،
وأن حذف جواب{ إِذَا } مستفيض في القرآن ، وكلام العرب ؛
ولهذا قال في معنى الآية الكريمة :
{ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا }
[ الزمر : 73 ]
كان لهم من إكرام الله ما لا يمكن حصره .. أو ما يشابهه .
ولم يتوقف الدكتور/ فضل عند هذا الحد ؛
بل زعم أن الجواب في آية أهل النار محذوف أيضًا ،
وأن جملة { فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } استئنافية ،
وأن المعنى :
{ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا }
[ الزمر : 73 ]
وجدوا من الهول والحسرة والندامة والأسى ما يعجز عنه الوصف ،
وقال لهم خزنتها : كذا و كذا .
وانتهى من ذلك إلى القول :