{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }
[ هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع النَّاس، وما ينبغي في معاملتهم،
فالذي ينبغي أن يعامل به النَّاس، أن يأخذ العفو، أي: ما سمحت به أنفسهم،
وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق ويتجاوز عن تقصيرهم،
{ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً
فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ
وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
[ ومعنى كون العفو أقرب للتقوى، أنَّ العفو أقرب إلى صفة التقوى
من التمسك بالحق؛ لأن التمسك بالحق لا ينافي التقوى،
لكنه يؤذن بتصلب صاحبه وشدته، والعفو يؤذن بسماحة صاحبه ورحمته،
والقلب المطبوع على السَّمَاحَة والرَّحْمَة أقرب إلى التقوى،
من القلب الصلب الشديد؛ لأنَّ التقوى تقرب بمقدار قوَّة الوازع،
والوازع شرعي وطبيعي، وفي القلب المفطور على الرَّأفة والسَّمَاحَة،
لين يزعه عن المظالم والقساوة، فتكون التقوى أقرب إليه؛ لكثرة أسبابها فيه ]
- ونفى الله عن رسوله الفظاظة، وغلظ القلب،
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ
وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ }
[ أي: برحمة الله لك ولأصحابك، منَّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك،
وخفضت لهم جناحك، وترققت عليهم، وحسنت لهم خلقك،
فاجتمعوا عليك وأحبوك، وامتثلوا أمرك.
وَلَوْ كُنتَ فَظًّا أي: سيئ الخلق غَلِيظَ الْقَلْبِ أي: قاسيه،
لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ لأنَّ هذا يُنفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيِّئ ]
{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ
وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }
ففي هذه الآية وجَّه الله الدائنين إلى التيسير على المدينين المعسرين،
فعلَّمهم الله بذلك سماحة النفس، وحسن التغاضي عن المعسرين .