الأخ / عبدالعزيز - الفقير إليالله
أنها الملكة بلقيس بنت شراحيل
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له
واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
وصلى الله وسلم وبارك على محمدا وآله وصحبه وسلم.
الملكة بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان
استيقظتْ من نومها والظلام يحيط بكل شيء؛ لتستعدَّ للذهاب مع حاشيتها
إلى معبد الشمس الكبير بأرض مأرب على بُعْدِ ثلاثة أميال من صنعاء
حيث يستقبل شعب سبأ يومًا من الأيام المقدسة التى تشهد نشاطًا كبيرًا
فيقدمون قرابينهم للشمس التى يعبدونها من دون اللَّه .
وما إن أشرقت الشمس حتى اخترق نداء الكاهن آذان أهل سبأ يأمرهم
بالسجود لها وفى الوقت الذى كان يسجد فيه أهل سبأ للشمس.
كان نبى اللَّه سليمان عليه السلام وجنوده
يسجدون للَّه رب العالمين اعترافًا بحقه عز وجل.
وقد وهب اللَّه لسليمان ملكًا عظيمًا وكوَّن سليمان جيشًا عظيمًا من الإنس
والجن والطير وجعل لكل واحد فى الجيش مكانًا ومهمةً عليه أن ينفذها.
واعتاد "سليمان" عليه السلام أن يتفقد جنوده حينًا بعد آخر وذات مرة
}مَا لِى لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ{
فجاء الهدهد بعد أن مكث فترة من الزمن
فقال لسليمان عليه السلام:
}فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ.
إِنِّى وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ.
وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ{
ثم أخذ الهدهد يصف ما رأى وما سمع وكيف يعبدون الشمس من دون
اللَّه ففكر نبى اللَّه ثم قال:
}قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ {
عرف الهدهد بفطرته السليمة أن السجود لا يكون إلا للَّه سبحانه وتعالي
كما عرف أهمية الدعوة إلى اللَّه تعالي وكيف يتحرك لها حتى وإن لم
يكلفه أحد بهذا العمل وهكذا يكون الداعية دائمًا فى كل مكان وزمان .
وبعد ذلك كتب نبى اللَّه عليه السلام رسالة وأمر الهدهد بالذهاب إلى
ملكة سبأ وأن يعطيها الرسالة فقال له:
}اذْهَب بِّكِتَابِى هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ
فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُون{
وبينما كانت بلقيس تستريح من عناء يوم طويل فى فراشها دخل عليها
الهدهد من النافذة وألقى عليها الكتاب فقرأته وعلمت مافيه وأنه من
نبى اللَّه سليمان عليه الصلاة والسلام فجمعت وزراءها وأعيان قومها
وقرأت عليهم خطاب سليمان وقالت:
} قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّى أُلْقِى إِلَى كِتَابٌ كَرِيمٌ.
إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
أَلَّا تَعْلُوا عَلَى وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ {
ثم طلبت منهم الرأى والمشورة
} قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِى فِى أَمْرِى
مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ {
وهى فى ذلك تعطى صورة طيبة للشورى عند الحاكم .
}قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ
وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ {
لكن بلقيس كانت تعلم قوة سليمان فأرادت أن تصرف قومها عن الحرب
}قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا
وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ {
كان يدور فى ذهن بلقيس أمر سليمان ولم تكن تعلم أن الله سخَّر له الريح
تجرى بأمره فقالت بحكمة بالغة وحسن تدبير:
}وَإِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ {
وأخبرتهم أنه إن كان ملكًا قبل الهدية وانصرف وإن كان نبيا
فلن يقبل الهدية ولن يرضى منا إلا أن نتبعه على دينه .
ووافق القوم على ذلك وانصرفوا فلما جاءت رُسل
بلقيس بالهدية إلى سليمان قال لهم :
} أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِى اللَّهُ خَيْرٌ
مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُون {
كيف يقبل الهدية وقد أكرمه الله بالنبوة
والحكمة وأعطاه الله ما لم يعط أحدً ا من العالمين؟!
}ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا
وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُون {
وأدرك سليمان بحكمته أن إنذاره هذا سينهى الأمر وستُقبل عليه الملكة
مستسلمة طائعة لأنه ظهر من تصرفاتها أنها لا تريد الحرب وعندما
عادوا إليها أخبروها بماحدث فأرسلت إلى سليمان تخبره أنها سوف تأتى
إليه ومعها كبار قومها وأمرت بلقيس جنودها بحراسة عرشها والحفاظ
عليه وإغلاق الأبواب دونه وخرجت من مُلْكها متجهة ناحية الشمال
أراد سليمان أن يبين لها قدرة اللَّه وعظمته
وكيف أعطاه مالم يعط أحدًا
من العالمين فأقبل على جنوده قائلا:
} قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ.
قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ
مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِى أَمِينٌ {
لكن سليمان استبطأه فقام رجل مؤمن من بنى إسرائيل
وكان صدِّيقًا يعلم اسم الله الأعظم فقال لسليمان:
} أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ {
وبالفعل كان عرش بلقيس أمام نبى اللَّه سليمان فخر ساجدًا لعظمة اللَّه
}هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِى أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَر
َ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِى كَرِيمٌ {
[النمل: 40].