قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم (9)
الدكتور/ عثمان قدري مكانسي
القصة الرابعة والأربعون : كن مع الله ترَ الله معك
عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه
أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المواقف التالية .
ولكن نتعرف - قبل الدخول في القصة –
هذا الصحابي الذي أسلم يوم فتح مكة وكان اسمه " عبد الكعبة "
فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم " عبد الرحمن " ،
سكن البصرة وفتح سجستان مرتين ، مرة على عهد عثمان ،
والثانية على عهد معاوية ، وصحبه في الفتح الثاني الحسن البصري
والمهلب بن أبي صفرة وقطريّ بن الفجاءة ،
ومات في البصرة سنة إحدى وخمسين للهجرة .
يقول الصحابي عبد الرحمن بن سمرة :
إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه بعد صلاة فجر
أحد الأيام من بيته ، فوقف على الصفة – بمسجد المدينة –
( إني رأيت البارحة عجباً )
وهذا أسلوب رائع من أساليب التربية ،
حيث يطلق المعلم جملة تستقطب الانتباه ،
وتجلب الاهتمام قبل الشروع في الحديث كي لا يضيع منه شيء ،
ولتكون حواس الجميع متوثبة لتلقي الحرف الأول تلقياً واعيا ..
فتوجهت الأنظار إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
ينتظرون حديثه الشائق ، وتوجيهاته السامقة ، فقال :
1-( رأيت رجلا من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه ،
فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه )
ويقول العلماء : هذا لا يعني أن الأجل انتهى ،
ولم يستطع ملك الموت أن يقبض روح الإنسان لأن بر الوالدين منعه من ذلك
فالأجل محتوم ، ولا يظل الإنسان حياً إلى ما شاء أن يحيا ،
{ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }
إن المقصود من ذلك : أن البر بالوالدين يجعل حياة الإنسان سعيدة رغيدة ,
مصداقاً لقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم :
( من أحب أن يُبسط له له في رزقه ،
ويُنسأ له في أثَره , فليَصِلْ رَحِمه )
ويقول بعضهم الآخر : قد يطول العمر بسبب بر الوالدين ،
فالله تعالى هو المتحكم بكل شيء .
{ يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }
ويبقى الأجل المكتوب بأمر الله تعالى ،
لا يقدره إلا هو سبحانه يفعل ما يشاء ويقدر .
2-(ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ( أحاطت به ) الشياطين ،
فجاء ذكر الله فطيّر الشياطين عنه )
وذكر الله تعالى يطرد الشياطين عن الإنسان كما يطرد الدواءُ الناجعُ الداءَ ،
فيبرأ صاحبه ، وراحة القلوب بذكر الله تعالى .
{ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }
وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة المعوذتين ،
وآية الكرسي لطرد الوسواس الخناس ،
كما أن قراءة الزهراوين تبعد الشياطين على الدار ثلاثة أيام
3-( ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب ،
( تريد أخذه إلى النار بسبب كثرة ذنوبه وسوء عمله )
فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم )
فمن وقف متذللاً بين يدي الله خاشعاً , يرجو رحمته ،
ويخاف عذابه آمنه الله تعالى ، وأمر ملائكة الرحمة أن تحمله إلى الجنة ،
وقصة الرجل التائب الذي قتل مئة، ثم تاب توبة نصوحاً خير دليل على ذلك .
فلا ييأسنّ المسلم من رحمة الله تعالى .
إن صلاة المسلم الخالصة لوجه الله – مهما قلـّتْ- ثقيلة في ميزان الله تعالى
والله تعالى لا يضيّع مثقال ذرة .
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا }