الموضوع: عمرة القضاء
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-19-2013, 10:11 PM
adnan adnan غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 13,481
افتراضي

قال‏:‏ وتغيب رجال من أشراف المشركين أن ينظروا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم غيظاً وحنقاً، ونفاسة وحسداً‏.‏وخرجوا إلى الخندمة
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وأقام ثلاث ليال، وكان ذلك آخر
القضية يوم الحديبية‏.‏فلما أتى الصبح من اليوم الرابع، أتاه سهيل
بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم
في مجلس الأنصار يتحدث مع سعد بن عبادة، فصاح حويطب بن عبد العزى‏:
‏ نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث‏.‏
فقال سعد بن عبادة‏:‏ كذبت لا أم لك ليس بأرضك ولا بأرض آبائك والله
لا يخرج‏.‏ ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيلاً وحويطباً فقال‏:
‏ ‏(‏‏ ‏إن قد نكصت فيكم امرأة، لا يضركم أن أمكث حتى أدخل بها
ونصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا‏ ‏‏)‏‏.‏
فقالوا‏:‏ نناشدك الله والعقد إلا خرجت عنا‏.‏فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبا رافع فأذن بالرحيل، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل
ببطن سرف، وأقام المسلمون، وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبا رافع ليحمل ميمونة، وأقام بسرف حتى قدمت عليه ميمونة‏.‏
وقد لقيت ميمونة ومن معها عناء وأذى من سفهاء المشركين ومن
صبيانهم، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف فبنى بها،
ثم أدلج فسار حتى أتى المدينة، وقدر الله أن يكون موت ميمونة بسرف
بعد ذلك بحين، فماتت حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
ثم ذكر قصة ابنة حمزة إلى أن قال‏:‏ وأنزل الله عز وجل في تلك العمرة‏:‏
‏{‏ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ‏}‏
فاعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام الذي صد فيه‏.‏
وقد روى ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير نحواً من هذا
السياق، ولهذا السياق شواهد كثيرة من أحاديث متعددة‏:‏
ففي صحيح البخاري من طريق فليح بن سليمان، عن نافع، عن ابن عمر‏:‏
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمراً فحال كفار قريش بينه
وبين البيت، فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية، وقاضاهم على أن يعتمر
العام المقبل، ولا يحمل سلاحاً إلا سيوفاً، ولا يقيم بها إلا ما أحبوا‏.‏
فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم، فلما أن أقام بها ثلاثاً
أمروه أن يخرج فخرج‏.‏
وقال الواقدي‏:
‏ حدثني عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال‏:‏ لم تكن هذه عمرة
قضاء، وإنما كانت شرطاً على المسلمين أن يعتمروا من قابل في الشهر
الذي صدهم فيه المشركون‏.‏
وقال أبو داود‏:‏
ثنا النفيلي، ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن ميمون‏:
‏ سمعت أبا حاضر الحميري يحدث أن ميمون بن مهران قال‏:‏ خرجت
معتمراً عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة، وبعث معي رجال
من قومي بهدي‏.‏قال‏:‏ فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم‏.‏
قال‏:‏ فنحرت الهدي مكاني، ثم أحللت، ثم رجعت، فلما كان من العام المقبل
خرجت لأقضي عمرتي، فأتيت ابن عباس فسألته فقال‏:‏ أبدل الهدي فإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا
عام الحديبية في عمرة القضاء‏.‏
تفرد به أبو داود من حديث أبي حاضر عثمان بن حاضر الحميري،
عن ابن عباس فذكره‏.‏
وقال الحافط البيهقي‏:‏
أنبأنا الحاكم، أنبأنا الأصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير،
عن ابن إسحاق، حدثني عمرو بن ميمون قال‏:‏
كان أبي يسأل كثيراً أهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدل هديه
الذي نحر حين صده المشركون عن البيت‏؟‏ ولا يجد في ذلك شيئاً،
حتى سمعته يسأل أبا حاضر الحميري عن ذلك‏.‏
فقال له‏:‏ على الخبير سقطت، حججت عام ابن الزبير في الحصر الأول
فأهديت هدياً فحالوا بيننا وبين البيت، فنحرت في الحرم ورجعت إلى
اليمن، وقلت‏:‏ لي برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، فلما كان العام
المقبل حججت فلقيت ابن عباس فسألته عما نحرت عليَّ بدله أم لا ‏؟‏
قال‏:‏ نعم فأبدل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد أبدلوا
الهدي الذي نحروا عام صدهم المشركون، فأبدلوا ذلك في عمرة القضاء،
فعزت الإبل عليهم فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في البقر‏.‏
وقال الواقدي‏:‏
حدثني غانم بن أبي غانم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال‏:‏ جعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب الأسلمي على هديه يسير
بالهدي أمامه، يطلب الرعي في الشجر، معه أربعة فتيان من أسلم،
وقد ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية ستين بدنة‏.‏
فحدثني محمد بن نعيم المجمر، عن أبيه، عن أبي هريرة قال‏:
‏ كنت مع صاحب البدن أسوقها‏.‏
قال الواقدي‏:‏
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي والمسلمون معه يلبون،
ومضى محمد بن مسلمة بالخيل إلى مر الظهران فيجد بها نفراً من قريش،
فسألوا محمد بن مسلمة‏؟‏فقال‏:‏ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح
هذا المنزل غداً إن شاء الله، ورأوا سلاحاً كثيراً مع بشير بن سعد فخرجوا
سراعاً حتى أتوا قريشاً فأخبروهم بالذي رأوا من السلاح والخيل، ففزعت
قريش وقالوا‏:‏ والله ما أحدثنا حدثاً وإنا على كتابنا وهدنتنا ففيم يغزونا
محمد في أصحابه ‏؟‏ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران،
وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح إلى بطن يأجج حيث ينظر
إلى أنصاب الحرم، وبعثت قريش مكرز بن حفص بن الأحنف في نفر
من قريش حتى لقوه ببطن يأجج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم
في أصحابه والهدي والسلاح قد تلاحقوا‏.‏
فقالوا‏:‏ يا محمد ما عرفت صغيراً ولا كبيراً بالغدر، تدخل بالسلاح
في الحرم على قومك، وقد شرطت لهم أن لا تدخل إلا بسلاح المسافر،
السيوف في القرب‏.‏
فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏( ‏إني لا أدخل عليهم السلاح‏ ‏‏)‏‏.‏
فقال مكرز بن حفص‏:‏ هذا الذي تعرف به البر والوفاء، ثم رجع سريعاً
بأصحابه إلى مكة، فلما أن جاء مكرز بن حفص بخبر النبي صلى الله
عليه وسلم خرجت قريش من مكة إلى رؤوس الجبال وخلوا مكة،
وقالوا‏:‏ لا ننظر إليه ولا إلى أصحابه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالهدي أمامه حتى حبس بذي طوى‏.‏
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رحمهم الله، وهو على
ناقته القصواء وهم محدقون به يلبون، وهم متوشحون السيوف‏.‏
فلما انتهى إلى ذي طوى وفق على ناقته القصواء والمسلمون حوله،
ثم دخل من الثنية التي تطلعه على الحجون على راحلته القصواء،
وابن رواحة آخذ بزمامها وهو يرتجز بشعره ويقول‏:‏
خلوا بني الكفار عن سبيله * إلى آخره
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال‏:‏
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة - يعني من
ذي القعدة سنة سبع - فقال المشركون‏:‏ إنه يقدم عليكم وفد قد وهنتهم
حمى يثرب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط
الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين، ولم يمنعه أن يرملوا الأشواط كلها
إلا الإبقاء عليهم‏.‏
قال الإمام أحمد‏:
‏ حدثنا محمد بن الصباح، ثنا إسماعيل بن زكريا، عن عبد الله بن عثمان،
عن أبي الطفيل، عن ابن عباس‏:‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما
نزل مر الظهران من عمرته، بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن قريشاً تقول ما يتباعثون من العجف‏.‏فقال أصحابه‏:‏ لو انتحرنا من
ظهرنا، فأكلنا من لحومه وحسونا من مرقه أصبحنا غداً حين ندخل مكة
على القوم وبنا جمامة‏.‏
فقال‏:‏ ‏
( ‏لا تفعلوا ولكن اجمعوا لي من أزوادكم‏ ‏‏)
‏ فجمعوا له وبسطوا الأنطاع، فأكلوا حتى تركوا، وحشى كل واحد منهم
في جرابه، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل المسجد،
وقعدت قريش نحو الحجر، فاضطبع بردائه ثم قال‏:‏ ‏
(‏‏ لا يرى القوم فيكم غميزة‏ ‏‏)
فاستلم الركن ثم رمل حتى إذا تغيب بالركن اليماني مشى إلى الركن
الأسود، فقالت قريش‏:‏ ما يرضون بالمشي، أما أنهم لينفرون نفر الظباء
ففعل ذلك ثلاثة أطواف فكانت سنة‏.‏
قال أبو الطفيل‏:
‏ وأخبرني ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في حجة
الوداع‏.‏تفرد به أحمد من هذا الوجه‏.‏
قال أبو داود‏:‏
ثنا أبو سلمة موسى، ثنا حماد - يعني ابن سلمة - أنبأنا أبو عاصم
الغنوي، عن أبي الطفيل قال‏:‏ قلت لابن عباس‏:‏ يزعم قومك أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت وأن ذلك سنة ‏؟‏
فقال‏:‏ صدقوا وكذبوا، قلت‏:‏ ما صدقوا وما كذبوا ‏؟‏
قال‏:‏ صدقوا رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذبوا ليس بسنة،
إن قريشاً زمن الحديبية قالت‏:‏ دعوا محمداً وأصحابه حتى يموتوا موت
النغف‏.‏فلما صالحوه على أن يجيئوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة
أيام، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون من قبل قعيقعان،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه‏:‏ ‏
(‏‏ ارملوا بالبيت ثلاثاً ‏‏)‏
قال‏:‏ وليس بسنة‏.‏وقد رواه مسلم من حديث سعيد الجريري، وعبد الله
بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وعبد الملك بن سعيد بن أبجر ثلاثتهم
عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن ابن عباس به نحوه‏.‏
وكون الرمل في الطواف سنة مذهب الجمهور، فإن رسول الله صلى
الله عليه وسلم رمل في عمرة القضاء وفي عمرة الجعرانة أيضاً،
كما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم،
عن أبي الطفيل، عن ابن عباس فذكره‏.‏وثبت في حديث جابر عند مسلم
وغيره أنه عليه السلام رمل في حجة الوداع في الطواف، ولهذا قال عمر
بن الخطاب‏:‏ فيم الرملان وقد أطال الله الإسلام ‏؟‏ومع هذا لا نترك شيئاً
فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموضع تقرير هذا كتاب ‏(‏الأحكام‏)‏‏.‏
وكان ابن عباس في المشهور عنه لا يرى ذلك سنة كما ثبت
في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار،
عن عطاء، عن ابن عباس قال‏:‏ إنما سعى النبي صلى الله عليه وسلم
بالبيت، وبالصفا والمروة ليري المشركين قوته‏.‏ لفظ البخاري‏.‏
وقال الواقدي‏:‏
لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسكه في القضاء دخل البيت،
فلم يزل فيه حتى أذن بلال الظهر فوق ظهر الكعبة، وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمره بذلك، فقال عكرمة بن أبي جهل‏:‏ لقد أكرم الله
أبا الحكم حين لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول‏.‏
وقال صفوان بن أمية‏:
الحمد لله الذي أذهب أبي قبل أن يرى هذا‏.‏
وقال خالد بن أسيد‏:‏
الحمد لله الذي أمات أبي، ولم يشهد هذا اليوم حتى يقوم بلال
ينهق فوق البيت‏.‏
وأما سهيل بن عمرو ورجال معه لما سمعوا بذلك غطوا وجوههم‏.‏
قال الحافظ البيهقي‏:
‏ قد أكرم الله أكثرهم بالإسلام‏.‏
قلت‏:
‏ كذا ذكره البيهقي من طريق الواقدي أن هذا كان في عمرة القضاء،
والمشهور أن ذلك كان في عام الفتح، والله أعلم‏.‏
البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله
في الله اخوكم مصطفى الحمد

رد مع اقتباس