ومجاهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالـةiiمنكـر
فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان والقاضي، وغيرهما ممَّن له
ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه فيقول: "ظلمني فلان بكذا".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ له:
«اذْهَبْ فَاصْبِرْ» فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ
فِي الطَّرِيقِ» فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ
فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ،
فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ )
فإذا كان الإنسان معروفاً بلقب، كالأعمش (سليمان بن مهران أبو محمد)
والأعرج (عبد الرحمن بن هرمز، وهو من أشهر الرواة عن أبي هريرة)،
والأصم، والأعمى، والأعور (مسلم بن كيسان) والأحول (عاصم بن سليمان)
وغيرهم، جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص،
ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى.بل وجد في المحدثين من نسب إلى
أمه وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بـ (إسماعيل بن عُليه)
وكان يقول من نسبني إلى أمي فقد اغتابني، ولكن علماء الحديث ذكروه
بأمه لشرفه، لأن إسماعيل بن إبراهيم في الرواة كثير.وكان ابن معين
رحمه الله أحد الحراس الأشداء الأقوياء لسنة النبي صلى الله عليه وسلم،
ولَكَمْ أضرَّ بالكذابين والمغفلين وتوجعوا منه كثيراً! ومع ذلك كان لا يفتأ
أن يقذف بالسهام إليهم، ولا يعبأ بنكيرهم ولا بكلامهم. .. قيل له يوماً:
ألا تخشى أن يكون هؤلاء الذين تكلمت فيهم خصماءك عند الله يوم
القيامة؟ فقال لهم: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحبَّ إلي من أن يكون
الرسول –صلى الله عليه وسلم- خصمي، يقول لي:
«لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكذِبَ عن سنتي؟»
وهذا بعكس حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عنها،
قالت: قُلْتُ للنبيّ صلى الله عليه وسلم:
(حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كذَا وكَذَا )
[قَالَ بعضُ الرواةِ: تَعْنِي قَصيرَةً]،
( لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ )
لأن الكلام هنا في معرض التنقيص.
-(الثالث): تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم،
وذلك من وجوه: منها جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز
بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة،ولذلك صح عن شعبة بن الحجاج
أنه كان يأتي عمران بن حُدَيرٍ ويقول له:«تعال نغتاب في الله ساعة»
أي نذكر مساوئ أصحاب الحديث، كقول علماء الجرح
هذا مدلس، وهذا مختلط، وهذا وضاع أو كذاب.ومنها المشاورة في
مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك،
أو مجاورته ويجب على المشاوَر ألاَّ يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي
فيه بنية النصيحة، ومنها إذا رأى متفقهاً يتردّد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ
عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله،
بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا ممّا يُغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك
الحسد، ويُلبس الشيطان عليه ذلك، ويُخيل إليه أنه نصيحة فليفطن لذلك،
ومنها أن يكون له ولاية، لا يقوم بها على وجهها: إما بأن لا يكون
صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقاً، ونحو ذلك، فيجب ذكر ذلك، لمن له
عليه ولاية عامة ليزيلها، ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله
بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى إلى أن يحثه على الاستقامة
- (الرابع): أن يكون مجاهراً بفسقه
أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، وجباية الأموال ظلماً، وتولي الأمور
الباطلة، فيجوز ذكره بما يُجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب،
إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.
فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟
وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظُّلم؟ ونحو ذلك،
فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل
أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير
تعيين، ومع ذلك فالتعيين جائز، كما في حديث هند أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ،
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي
وَوَلَدِي، إِلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ فَقَالَ:
( خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ )
لكن هناك فرق بين القضاء والاستفتاء، فالقضاء ملزم عكس الفتوى
فهي غير ملزمة، والقاضي لابد أن يسمع من الطرفين، عكس المستفتي
فإنه يفتي بناء على حكاية الواحد وظاهر الكلام.
قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:
( إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي
له بنحو مما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه
فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار )
- (السادس): الاستعانة على تغيير المنكر
وردّ العاصي إلى الصواب، فيقول لِمَن يرجو قدرته على إزالة المنكر:
فلان يعمل كذا، فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى
إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما.
هذا وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد
وآله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.