والمتأمل في هذه الآيات يرى أن
هذا الخلق أو التسخير لم ينحصر في وجه أو خلق من المخلوقات،
بل هو عام وشامل لكل ما ينتفع به كما دل على هذا المعنى كلمة (لكم).
ثانيًا: أن الزينة والتجميل غريزة من غرائز التكوين الإنساني وفطرة فُطر
عليها بنو آدم، فهي حاجة من حاجاته التي ينشدها،
ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( " أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر " .
فقال رجل : يا رسول الله !
إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة
فقال صلى الله عليه وسلم :
" إن الله جميل يحب الجمال " )
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من التطيب ويحبه، ولا يرده، بل كانت له
مثل القارورة يتطيب منها ويقول:
( حُبِّبَ إليَّ من دنياكم الطيب والنساء
و جعلت قرة عيني في الصلاة )
وكانت له مكحلة يكتحل منها، وكان يُرَجِّلُ رأسه ولحيته (أي يمشطهما)،
ويدهنهما بالزيت ، وله ثياب قد رصدها لمقابلة من يفد عليه من الوجهاء
ورؤساء القبائل، وهي أيضًا مطلب شرعي أراده الشارع وارتضاه
}وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً
وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا {
بل أنكر سبحانه على من حرَّم شيئًا منها بلا حجة ولا برهان ؛
} قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ {
ولكن لابد من التنبيه إلى عدة أمور:
· أن استعمالها لابد أن يكون بقدر الحاجة التي تحقق المراد،
فلا يسرف في استخدامها إسرافًا نهى الله عنه.
· الاستغناء عنها إلى ما سواها من أدوات الزينة، إذ إنها أحرى
وأبعد عن حال المترفين و هي في الأصل لم توضع أداة للتجمُّل.
للشريعة في تقرير هذا المطلب أدلة كثيرة متنوعة منها:
· الإرشاد إلى العناية بالجسم ونظافته التي تعد مظهرًا من مظاهر الزينة،
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( خمس من الفطرة: الاختتان، والاستحداد، وقص الشارب
وتقليم الأظافر، ونتف الإبط )
· أنه نهى الرجل إذا قدم مسافرًا أن يفاجئ أهل بيته ليلاً دون علمهم،
وذلك لئلا يراهم على هيئة غير حسنة،
( حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة )
· أنه حث عليها وجعلها سببًا في نيل المغفرة في مواطن معينة
كما قال صلى الله عليه وسلم:
( لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهَّر ما استطاع من طهر،
ويدَّهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق
بين اثنين،ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام؛
إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى )
ثالثًا: أن الأصل في الزينة والتجمل الْحِلّ والإباحة، إلا ما قام الدليل
الشرعي على المنع من استعماله، كالنجاسات والكحول التي تدخل
في صناعة العطور بنسب عالية، أو لبس الحرير والذهب للرجل
أو استخدام المرأة للطيب في وقت تمر فيه بالرجال.