حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ
رضى الله تعالى عنهم أجمعين
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
( إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَوْلَا آيَتَانِ فِي
كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا ثُمَّ يَتْلُو إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ
مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى إِلَى قَوْلِهِ الرَّحِيمُ إِنَّ
إِخْوَانَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ
وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ
وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِبَعِ بَطْنِهِ وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ
وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ )
قوله: ( حدثنا عبد العزيز )
هو الأويسي المدني، والإسناد كله مدنيون.
قوله: ( أكثر أبو هريرة )
أي من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صرح به المصنف
في البيوع من طريق شعيب عن الزهري، وله فيه وفي المزارعة
من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري هنا زيادة وهي: " ويقولون:
ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه " وبها تبين الحكمة في
ذكره المهاجرين والأنصار ووضعه المظهر موضع المضمر على طريق
الحكاية حيث قال: " أكثر أبو هريرة " ولم يقل أكثرت.
قوله: ( ولولا آيتان )
مقول قال لا مقول يقولون، وقوله: ثم يتلو مقول الأعرج، وذكره بلفظ
المضارع استحضارا لصورة التلاوة، ومعناه: لولا أن الله ذم الكاتمين
للعلم ما حدث أصلا، لكن لما كان الكتمان حراما وجب الإظهار،
فلهذا حصلت الكثرة لكثرة ما عنده.ثم ذكر سبب الكثرة بقوله:
" إن إخواننا " وأراد بصيغة الجمع نفسه وأمثاله، والمراد بالأخوة
فتح أوله من الثلاثي، وحكى ضمه وهو شاذ.
إسكان الفاء، هو ضرب اليد على اليد، وجرت به عادتهم عند عقد البيع.
قوله: ( في أموالهم )
أي القيام على مصالح زرعهم، ولمسلم " كان يشغلهم عمل أرضيهم "
ولابن سعد " كان يشغلهم القيام على أرضيهم".
قوله: ( وإن أبا هريرة )
فيه التفات إذ كان نسق الكلام أن يقول: وإني.
بلام التعليل للأكثر وهو الثابت في غير البخاري أيضا، وللأصيلي
" بشبع " بموحدة أوله، وزاد المصنف في البيوع " وكنت امرءا
مسكينا من مساكين الصفة".
أي من الأحوال (ويحفظ) أي من الأقوال،
وهما معطوفان على قوله: " يلزم".
وقد روى البخاري في التاريخ والحاكم في المستدرك من حديث طلحة
بن عبيد الله شاهدا لحديث أبي هريرة هذا ولفظه " لا أشك أنه سمع
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا نسمع، وذلك إنه كان مسكينا
لا شيء له ضيفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج البخاري
في التاريخ والبيهقي في المدخل من حديث محمد بن عمارة بن حزم أنه
قعد في مجلس فيه مشيخة من الصحابة بضعة عشر رجلا فجعل
أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث
فلا يعرفه بعضهم، فيراجعون فيه حتى يعرفوه، ثم يحدثهم بالحديث
كذلك حتى فعل مرارا، فعرفت يومئذ أن أبا هريرة أحفظ الناس.
وأخرج أحمد والترمذي عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة:
كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرفنا بحديثه.
واختلف في إسناد هذا الحديث على الزهري فرواه مالك عنه هكذا، ووافقه
إبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة، ورواه شعيب عن الزهري عن سعيد
بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي هريرة،
والإسنادان جميعا محفوظان صححهما الشيخان،