تفاضلـت أوصافهـم فـوقiiالـثـرى ثـــم تـســاوت تـحـتـه كـــل قـــدم
لكن التفاوت هناك على حسب الأعمال، نسأل الله تعالى الستر والعافية.
إن لحظات الاحتضار في حقيقتها هي اختصار لحياة الإنسان كلها؛ فمن
الثابت المشاهد أن العبد يموت على ما عاش عليه، لهذا اختلفت جدا
أحوال المحتضرين ، فلو نظرت إلى أحوال الصحابة عند موتهم لوجدت
ثباتا من عند الله تعالى وفرحا بقدوم الموت لأنه يقربهم من لقاء الله تعالى.
هذا بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة
وبكت زوجته وقالت: واحزاناه،
بل واطرباه، غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه.
وهذا إمام العلماء ومقامهم معاذ بن جبل رضي الله عنه
مرحبا بالموت حبيب جاء على فاقة.
وهذا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، عند موته يقول:
أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصّرت، ونهيتني فعصيت،
ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه فأحدّ النظر. فقالوا له: إنك لتنظر نظراً
شديداً يا أمير المؤمنين. قال: إني أرى حضرة ما هم بإنس ولا جن ثم
قبض رحمه الله وسمعوا تالياً يتلو:
{ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
يحتضر وهو يقرأ قول الله تعالى:
{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }
وعلى الجانب الآخر تجد من يقال له: قل لا إله إلا الله، فيغني، أو يقول:
أين الطريق إلى حمام منجاب، أو يقول: هو كافر بلا إله إلا الله، أو يموت
وهو سكران أو يسب دين الله تعالى، ولقد رأينا بأعيننا من يموت
على خشبة المسرح وهو يعزف ويغني، نسأل الله أن يختم لنا بخير.
أخي الحبيب إذا عرفت أن لحظة الاحتضار هي اختصار لحياتك كلها،
وأنها لحظة امتحان، وأن الموت حتم لازم، ليس منه بد ولا منه مفر،
فينبغي أن تكون مستعدا لتلك اللحظات متزودا بالتقوى ليوم المعاد،
فاجتنب أخي الكريم ما نهاك الله عنه، وجاهد نفسك بالابتعاد عن الشهوات
والشبهات واعلم أن الله جل وعلا يغار على محارمه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه ).
وقد توعد الله جل وعلا من تعدى حدوده وانتهك حرماته بالفتنة والعذاب.
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ
أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
ثانيا: أداء الفرائض والواجبات
ولا تتجلى حقيقة إيمان العبد إلا بأداء ما افترضه الله عليه، ومن ذلك
الصلاة والزكاة والصيام والحج لمن استطاع إليه سبيلاً، فهذه هي ثوابت
فعن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله،
وأن محمد عبده ورسوله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة،
فمن حافظ على هذه الفرائض وأداها على الوجه الذي يليق كما بين رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقد جمع خصال الخير والفضل، وكان له ذلك
أكبر عون على سكرات الموت ووحشة القبر وأثابه الله على ذلك أجراً عظيماً.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه
( أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله
دلني على عمل إذا عملته، دخلت الجنة، قال: " تعبد الله ولا تشرك به شيئاً،
وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان "
قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا فلمّا ولّى،
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من سرّه أن ينظر
إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا )
ثالثا: محاسبة النفس، والاعتبار بمن مات
أخي الكريم: ومما يعلي الهمة، ويدفع النفس إلى الاستعداد للموت
محاسبة النفس والاعتبار بمن قد مضى ومات.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزن فإنه أهون
عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر
يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ).
ولذا ينبغي للعبد أن يحاسب نفسه كل وقت وحين على أداء الفرائض،
واجتناب النواهي وأين قضى يومه، ومن أين اكتسب ماله، وفيم أنفقه،
وماذا بطش بيده وأين سارت رجله، وماذا رأت عيناه وماذا سمعت أذنه؟
فمتى كان العبد شديد المحاسبة لنفسه، مداوماً على التوبة والاستغفار مما
يجده من التقصير والتفريط في جنب الله، كان أقرب إلى الثبات عند
الموت، وأبعد عن الفتنة وشدة البلاء.وفي نفس الوقت يتعظ بمن قد مات
ووضع في قبره ويزور القبور فيتذكر بها الآخرة
من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة،
ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار
من مرّ بالمقابر فلم يتفكر لنفسه ولم يدع لهم فقد خان نفسه وخانهم
ولذلك فقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور لما لها
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( كنت نهيتكم عن زيارة القبور
فزوروها فإنها تذكركم الآخرة )
وروي عن داود الطائي أنه مرّ
على امرأة تبكي على قبر وهي تقول:
عـدمـت الحـيـاة ولا نلـتـهـا إذا كنت في القبر قد لحدوكا