قصص رواها النبي صلى الله عليه و سلم (8)
بقلم الدكتور عثمان قدري مكانسي
القصة الأربعون
أبونا آدم عليه السلام
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله أصحابه
يسألونه عن الأنبياء الكرام وصفاتهم الخُلُقية والخَلْقية ، وعن أقوامهم ،
ومن صدّقهم ، ومن كذ بهم ... ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجيبهم ،
ويزيدهم ما ينفعهم ، ويشحذ قرائحهم ، ويقوّي الإيمان في نفوسهم ،
ويُطَيـّبها . قال عليه الصلاة والسلام : خُلِق آدم وطوله ستون ذراعاً ..
إنها قامة فارعة ، تسامق الأشجار العالية طولاً ،
وتسمو على الحصون والقلاع ارتفاعاً .
قالوا : يا رسول الله ؛ فما بالنا أقصر منه بكثير ؟. قال عليه الصلاة والسلام :
لم يزل الخلق ينقصون جيلاً بعد جيل حتى وصلنا إلى ما نحن عليه .
قالوا: فكيف يكون المؤمنون في الجنة إزاءه عليه السلام والأجيال السابقة ؟
قال عليه الصلاة والسلام : كل من يدخل الجنة يدخلها على صورة أبيه آدم .
ثم أردف قائلاً : لما خلق الله تعالى آدم نفخ فيه الروح فعطس ،
فألهمه الله تعالى حمده ، فقال : الحمد لله .فقال له ربه : يرحمك الله .
فذهب الحمد والرحمة أدباً عالياً يعيشه المسلمون في مجتمعاتهم ،
فيكون حمد الله ورحمته شعارهم ومآلهم ، فإذا عطس أحدكم ،
فحمد الله فشمّتوه ، واطلبوا له الرحمة والهداية ، فهذا من سنّتي .
قال عليه الصلاة والسلام : ثم قال الله تعالى لآدم :
اذهب فسلم على أولئك الجلوس من الملائكة ، وقل لهم : السلام عليكم .
فذهب فسلم عليهم ( السلام عليكم ) ، فقالوا له : وعليك السلام ورحمة الله .
قال تعالى : يا آدم ؛ أوَعَيْت ردّهم ؟قال آدم : نعم ؛ يا رب .
قال تعالى : فإنها تحيتك وتحية ذرّيتك .... إنك سلمتَ عليهم ،
فردّوا عليك السلام ، وزادوك إكراماً ، فسألوني أن أرحمك ، فلك ذلك .
وقرأ الرسول صلى الله عليه وسلم :
{ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا }
[ النساء : 86 ]
قال عليه الصلاة والسلام : بعد أن رأى أصحابه منتبهين ،
يتلقَّون كل كلمة بأُذُن واعية وقلب محبّ .
ثم إن الله تعالى مسح على ظهر آدم ،
فسقط من ظهره كلُّ نَسَمة هو خالقها من ذريّة آدم إلى يوم القيامة ،
وجعل بين عينَيْ كل إنسان منهم بصيصاً من نور ، ثم قبضها بيده سبحانه.
قالوا : وكيف يقبض سبحانه الأمورَ بيده ؟.
قال عليه الصلاة والسلام : إن الله تعالى يقبض الأشياء كيف شاء ،
متى شاء ، من غير تكييف ولا تمثيل – سبحانه – ليس كمثله شيئ ،
وهو السميع البصير .
قالوا : آمنّا بالله سبحانه ، وتعالى ربنا عن الشبيه والمثيل،
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
قال عليه الصلاة والسلام :فقال الله ويداه مبسوطتان : اختر أيهما شئت .
قال آدم بأدب جم علمه إياه ربه : اخترتُ يمين ربي ،
وكلتا يدي ربي يمين مباركة .
فيبسط الله تعالى يده ، فإذا فيها آدم وذريته ....
قال آدم : أيْ ربّ ؛ ما هؤلاء ؟قال تعالى : هؤلاء ذريتك .
وينظر آدم عليه السلام إلى ذريته ، فإذا كل إنسان مكتوب عمُره بين عينيه .
ويلوح له فيهم رجل من أضوئهم ، فيخفق له قلب آدم حباً ،
فيقول : يا ربّ ؛ من هذا ؟
فيقول الله عز وجلّ : هذا ابنك داود ، قد كتبت له عمُر ستين سنة .
فيقول آدم : ربّ ؛ زد في عمُره ؟فيقول الله تعالى : هذا ما كتبت له ، وقدّرت.
فيقول آدم : كم كتبت لي من العمر ؛ يا رب ؟فيقول الله تعالى : ألف سنة .
فيقول آدم : أيْ ربِّ ، فإني قد جعلت له من عمري أربعين سنة .
فيقول الله تعالى : قد أجزت لك ذلك . فيًقدّر لداود مئة عام .
كل شيء مقدّر ومكتوب ... صُنع الله الذي خلق كل شيء ، فأحسن خلْقه ،
وأبدعه وقدّره ، وهو يفعل ما يشاء ... يمحو الله ما يشاء ويُثبت ،
وعنده أمّ الكتاب .
قال عليه الصلاة والسلام : ويسكن آدم وزوجه الجنة ما شاء الله ....
ويشاء الله أن يبتليه بعد ذلك ، فيأكل وحواء من الشجرة المحرّمة ،
ثم يهبطان منها . فكان آدم عليه السلام يَعُدّ لنفسه عمرها ......
فلما أتاه ملك الموت يريد استيفاء روحه قال له آدم : قد عجلتَ ؛
قد كُتب لي ألف سنة ، فها أنت تأتي قبل أربعين سنة .
يقول له ملك الموت : بلى ،
ولكنك جعلت لابنك داود أربعين سنة ، فصارتْ إليه .
فجحد آدم ما جعله لداود ، وكان جحوده نسياناً ، وورث أبناؤه صفات أبيهم ،
فجحدوا كما جحد ، ونسوا كما نسي ، فأمر الله تعالى بالكتابة والشهود
ليواجه بها جحود الجاحدين ونسيان الناسين .
المراجع :
1- البخاري المجلد الثاني الجزء (4)
كتاب : بدء الخلق
باب قوله تعالى
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ }
[ البقرة : 30 ]
2- سنن الترمذي ج 3 - ص 52