يقول بن القيم :
[ وبحسب إيمان العبد ومعرفته يكون خوفه أن يكون من أهل هذه الطبقة ,
ولهذا اشتد خوف سادة الأمة وسابقيها على أنفسهم أن يكونوا منهم ]
ولسائل أن يسال عما هو النفاق
ففي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه -
أن رسول الله صلى الله عليه و سمل قال :
( آية المنافق ثلاث :
إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان )
[ متفقٌ عليه ]
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ،
ومن كانت فيه خصلة منهن
كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ،
إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر،
وإذا خاصم فجر(
فالنفاق :هو مخالفة الظاهر للباطن
والنفاق من الأمراض الاجتماعية الخطيرة وهو قسمان :
نفاق العقيدة ونفاق العمل .
5- إذا ارتقى الإيمان عند العبد ويلغ درجة اليقين أكرمه الله بكرمات
كما في هذا الحديث
( لو أنكم تكونونَ علَى حالٍ
علَى الحالَةِ التِّي أنتم علَيْها عندِي ،
لصافَحَتْكُمُ الملائِكُةُ بأكُفِّهِمْ ، و لَزَارَتْكُمْ في بيوتِكم ،
ولَوْ لم تُذْنِبُوا ، لجاءَ اللهُ بقومٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يغفِرَ لَهُمْ )
ويضرب عمران بن حصين أروع مثل في الصبر وقوة الإيمان،
وذلك حين أصابه مرض شديد ظل يعاني منه ثلاثين عامًا،
فقد أصاب بطنه داء الاستسقاء، وشق بطنه، وأخذ منه شحم،
وثقب له سرير فبقي عليه ثلاثين سنة، فلم يقنط ولم ييأس من رحمة الله،
وما ضجر من مرضه ساعة،
ولا قال : أفٍ قط ، بل ظل صابرًا مثابراً على عبادة الله، قائمًا وقاعدًا وراقدًا،
وإذا هوّن عليه عواده أمر علته بكلمات مشجعة ابتسم لهم،
وكان هو يهون عليهم، فقد دخل عليه رجل فقال: يا أبا نجيد،
والله إنه ليمنعني من عيادتك ما أرى بك، فقال: يا ابن أخي، فلا تجلس،
فوالله إن أحب ذلك إليَّ أحبه إلى الله عز وجل،
وكان يُعرض عليه الكي فيأبى أن يكتوي،
حتى كان قبل وفاته بسنتين فاكتوى، فكان يعجُّ ويقول :
( لقد اكتويتُ كيّةً بنار ما أبرأتْ من ألمٍ، ولا شفتْ من سَقَمٍ(
وفي صحيح مسلم حديث يرويه مطرف بن عبد الله بن الشخير،
وفيه أن عمران بن حصين قال :
(وقد كان يُسلِّمُ عليَّ حتى اكتويتُ . فتركتُ .
ثم تركتُ الكيَّ فعاد )
وفي الطبقات
أخرج ابن سعد عن مطرف أن عمران بن حصين كان يسلم عليه فقال :
[ إني فقدت السلام حتى ذهب عني أثر النار،
قال : فقلت له من أين تسمع السلام ؟ ، قال: من نواحي البيت،
قال : فقلت : أما إنه لو قد سلم عليك من عند رأسك كان عند حضور أجلك ،
فسمع تسليما عند رأسه ، قال : فوافق ذلك حضور أجله ]
6- ساعة وساعة
لما كان بلوغ درجة القين ليس في مقدور كل احد دلهم على الإصلاح لهم
وهي القيام بالحقوق وليس معنى ساعة وساعة
يعني : ساعة طاعة وساعة معصية أو ساعة جد وساعة لعب
بل أفضل تفسير فيها
ساعة لربك وساعة لنفسك وساعة لأهلك وساعة لضيفيك .
وعن أبي جحبفة وهب بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال :
آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء ،
فزار سلمان أبا الدرداء ، فرأى أم الدرداء متبذلة فقال : ما شأنك ؟
قالت : أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا .
فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال له : كل فإني صائم ،
قال : ما أنا بآكل حتى تأكل . فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم،
فقال له : نم ، فنام . ثم ذهب يقوم فقال له : نم فلما كان من آخر الليل
قال سلمان : قم الآن . فصلينا جميعاً ، فقال له سلمان : إن لربك عليك حقاً،
وإن لنفسك عليك حقاً ، وإن لأهلك عليك حقاً ، فأعط كل ذي حق حقه ,
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له،
فقال النبي صلي الله عليه وسلم :
( صدق سلمان )
[ رواه البخاري (187) ]
ومعنى هذا كله : أن الإنسان يراعي الحقوق فيعطي ربه حقه
ويعطي نفسه حقها
ففي الحديث
( لِيُصَلِّ أحدكم نشاطَهُ ، فإذا فَتَرَ فليَقْعُدْ )
[ رواه البخاري ومسلم ]
ويعطي أهله حقهم امرأة تتصل على احد المشائخ الفضلاء
تقول زوجي يقوم الليل ويصوم النهار ولا يكثر الجلوس في المسجد
وإذا دخل البيت وأردت أن أتحدث معه , قال : إقرائي كتابا
ولا شك إن في هذا خلل
لأنها قد يحملها على الحرام ويعطي ضيفه حقه من الإكرام والاهتمام .
وخلاصة الأمر
يعطي كل ذي حق حقه فهذا هو العبد المطلق الذي لم تملكه رسوم
ولم تقيده قيود يدور مع أمر الله حيث دار يدين الله بدين الأمر كالغيث
حيث وقع نفع وكالنخلة لا يسد ورقها وكلها منفعة حتى شوكها
بخلاف صاحب التعبد المقيد يعبد الله على وجه واحد
أما صاحب التعبد المطلق : فليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره
فإذا رأيت العلماء رايته معهم وإذا رأيت الذاكرين رايتهم معهم
وإذا رأيت المجاهدين رايته معهم وإذا رأيت المتصدقين رايته معهم
يدور مع الأمر حيث دار فيعطي كل ذي حق حقه .