قال: فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثاً لا يأكل، ولا يشرب، إلا ما يعلق
نفسه، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال له:
( لم تركت الطعام والشراب )
فقال: يا رسول الله قلت لك قولاً لا أدري هل أفي لك به أم لا؟
( إنما عليك الجهد )
قال: يا رسول الله إنه لا بد لنا أن نقول. قال:
( فقولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك ).
قال: فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة بن وقش،
وهو أبو نائلة أحد بني عبد الأشهل، وكان أخا كعب بن الأشرف
من الرضاعة، وعباد بن بشر بن وقش أحد بني عبد الأشهل، والحارث
بن أوس بن معاذ أحد بني عبد الأشهل، أبو عبس بن جبر أخو بني
حارثة.قال: فقدموا بين أيديهم إلى عدو الله كعب سلكان بن سلامة أبا
نائلة، فجاءه فتحدث معه ساعة، فتناشدا شعراً - وكان أبو نائلة يقول
الشعر - ثم قال: ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها
لك فاكتم عني، قال: أفعل.قال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء عادتنا
العرب، ورمتنا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبيل حتى ضاع العيال،
وجهدت الأنفس، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا.فقال كعب: أنا ابن
الأشرف أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر يصير إلى ما
أقول، فقال له سلكان: إني قد أردت أن تبيعنا طعاماً، ونرهنك ونوثق لك
وتحسن في ذلك.قال: ترهنوني أبناءكم؟ قال: لقد أردت أن تفضحنا إن
معي أصحاباً لي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم، وتحسن
في ذلك، ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء. وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح
فقال: إن في الحلقة لوفاء. قال: فرجع سلكان إلى أصحابه فاخبرهم خبره،
وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه، فاجتمعوا
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فحدثني ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد
( انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ).
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، وهو في ليلة مقمرة،
فانطلقوا حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به أبو نائلة، وكان حديث عهد
بعرس، فوثب في ملحفته، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: أنت امرؤ
محارب وأن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة.قال: إنه أبو نائلة
لو وجدني نائماً ما أيقظني، فقالت: والله إني لأعرف في صوته الشر.
قال: يقول لها كعب: لو دعي الفتى لطعنة أجاب. فنزل فتحدث معهم
ساعة، وتحدثوا معه، ثم قالوا: هل لك يا ابن الأشرف أن تتماشى
إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا هذه؟قال: إن شئتم. فخرجوا
فمشوا ساعة. ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ثم شم يده فقال:
ما رأيت كالليلة طيباً أعطر قط.ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن.
ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها، فأخذ بفودي رأسه ثم قال: اضربوا عدو الله
فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئاً.قال محمد بن مسلمة: فذكرت مغولاً
في سيفي فأخذته، وقد صاح عدو الله صيحة، لم يبق حولنا حصن إلا
أوقدت عليه نار.قال: فوضعته في ثنته، ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته،
فوقع عدو الله وقد أُصيب الحارث بن أوس بجرح في رجله أو في رأسه،
أصابه بعض سيوفنا.قال: فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد، ثم
على بني قريظة، ثم على بعاث، حتى أسندنا في حرة العريض، وقد أبطأ
علينا صاحبنا الحارث بن أوس، ونزفه الدم، فوقفنا له ساعة، ثم أتأنا يتبع
آثارنا فاحتملناه، فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل،
وهو قائم يصلي، فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بقتل عدو الله.
وتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جرح صاحبنا، ورجعنا إلى
أهلنا، فأصبحنا وقد خافت يهود بوقعتنا بعدو الله، فليس بها يهودي
وزعم الواقدي أنهم جاؤوا برأس كعب بن الأشرف إلى رسول الله صلى
قال ابن إسحاق: وفي ذلك يقول كعب بن مالك:
فغودر منهم كعـب صريعـاً فذلت بعد مصرعه النضير