كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذا حضر الشتاء
تعاهدهم، وكتب لهم بالوصية:
"إنَّ الشتاء قد حضر، وهو عدو، فتأهبوا له أهبته من الصُّوف والخفاف
والجوارب، واتَّخِذوا الصوف شعارًا ودثارًا؛ فإن البرد عدوٌّ سريعٌ
لقد هب الشتاء علينا بما يحمله من برد وأمطار وصواعق ومن شدة البرد
نستشعره ونحسه وننتظره ونأمل أن يمر سالما بالرغم على ما يحمله
الشتاء بين طياته من وقفات تجعلنا نقف وقفات تأمل وتفكر لـ نأخذ منها
العبر والعظات فهيا بنا الى هذه الوقفات المهمة لعل الله عز وجل أن يفتح
علينا وأن يوفقا لما فيه خير لنا في دنينا وآخرتنا
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( اشتكت النّار إلى ربّها فقالت: يا رب. أكل بعضي بعضاً فجعل
لها نفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف فشدة ما تجدون
من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدون من الحر من سمومها )
إن الزمهرير الذي نجده في فصل الشتاء إنما هو نفس من أنفاسها عندما
اشتكت النار لربها فأذن لها بنفسين والنفس الاول هو الزمهرير
فهنا وقفتنا الاولى فعلى المسلم / ـة
أن نربط بين الزمهريرين زمهرير جهنم وزمهرير الشتاء ، فالواجب
الاستعاذة منها، وتجنُّب الأعمال الموصلة إلى النار من ترك الواجبات،
يستغيث أهل النار من الحر، فيغاثون بريح باردة، يصدع العظامَ بردُها،
فيسألون الحر، وعن مجاهد قال: يهربون إلى الزمهرير، فإذا وقعوا فيه،
حطم عظامهم، حتى يسمع لها نقيض.
{ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا }
الغساق: الزمهرير البارد الذي يحرق من برده،
هو الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من برده،
إن الغساق: البارد المنتن أجارَنا الله تعالى من جهنم بفضله وكرمه
"فإنّ شدة برد الدنيا يذكر بزمهرير جهنم".
وهذا يوجب الخوف والاستعاذة منها.
"مرحباً بالشتاء تتنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام،
ويقصر فيه النهار للصيام".
"نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه".
ولذا بكى المجتهدون على التفريط -إن فرطوا - في ليالي الشتاء بعدم
القيام، وفي نهاره بعدم الصيام.فرح سلفنا الصالح لقدوم الشتاء بعكس
ما نحن عليه فإذا هم الشتاء وكانه هم علينا الكابوس والمصيبة العظمى
فعلينا أن نحذوا وأن نقتدي بسلفنا الصالح وأن نغتنم أوقات الشتاء بما
ينفعنا في دنيا واخرتنا ونهم بـ إصلاح أنفسنا ونقبل على ما يضيئ القلب
ويجعله يشع نورا واي نور انه نور الإيمان والهداية و الفلاح
وقفة تأمل وتفكر بقدرة الخالق البارئ المدبر الحكيم فالحكمة بالغة
في وجود فصلين الصيف والشتاء ، وقيام الحيوانات والنباتات عليهما،
ولـ نفكِّر في دخول أحدهما على الآخر بالتدريج، والمُهْلَة حتى يبلغ
نهايته، فلو دخل كل فصل على الاخر فجأة لأضرَّ ذلك بالأبدان وأهلكها،
وأضر بالنباتات والحيوانات ، فلولا عنايةُ الله وحكمته ورحمته وإحسانه،
لَما كان ذلك كله ، فلله الحمدُ في الاولى والاخرة .
آياتٌ في الشتاء سبحان الذي خلق فدبر وأحكم فإن الشتاء يحمل بين
طياته الكثير من الأيات والحكم والعبر والعظات وعلى كل مسلم / ـة
أن يستفيد منها من هذه الآيات الصواعق والمطر والبرد والرعد
والبرق والأصواف من الأنعام
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم
{ وَيُرسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ
وَهُم يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ }
{ أًلَمَ تَرَ أَنَ اللهَ يُزجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَينَهُ ثُمَّ يَجعَلُهُ رُكَاماً
فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ
فَيُصِيبُ بِهِ مَنَ يَشَاءُ وَيَصرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرقِهِ يَذهَبُ بِالأَ بصَار ِ}
{ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ }
{ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ }
المبالغة في اتِّقاء الحر والبرد
قال ابن الجوزي - رحمه الله -:
تأملتُ مبالغة أرباب الدنيا في اتقاء الحر والبرد، فرأيتها تعكس المقصود
في باب الحكمة، وإنما تحصل بحر ولذة، ولا خير في لذة تعقب ألمًا، فأما
الحر، فإنهم يشربون الماء المثلوج، وذلك على غاية في الضرر، وأهل
الطب يقولون: إنه يحدث أمراضًا صعبة، يظهر أثرها في وقت الشيخوخة،
ويصنعون الخيوش المضاعفة، وفي البرد يصنعون اللبود المانعة للبرد،
وهذا من حيث الحكمةُ يضاد ما وضعه الله - تعالى - فإنه جعل الحر لتحلل
الأخلاط، والبرد لجمودها، فيجعلون هم جميع السَّنَة ربيعًا، فتنعكس
الحكمة التي وضع الحر والبرد لها، ويرجع الأذى على الأبدان، ول
يظن سامعُ هذا أني آمره بملاقاة الحر والبرد، وإنما أقول له: لا يفرط
في التوقِّي، ويعرض في الحر لما يحلل بعض الأخلاط، إلى حدٍّ لا يؤثر
في القوة، وفي البرد بأن يصيبك منه الأمر القريب لا المؤذي؛ فإن الحر
والبرد لمصالح البدن، وقد كان بعض الأمراء يصون نفسه من الحر
والبرد أصلاً، فمات عاجلاً، وقد ذكرت قصته في كتاب
" لقط المنافع في علم الطب"
مواساةُ الفقراء والمساكين ومما يؤمر به في الشتاء وغيره: مواساةُ
الفقراء والمساكين بما يدفع عنهم البَردَ، وفي ذلك فضل عظيم؛
أخرج الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعًا:
( من أطعم مؤمنًا على جوع، أطعمه الله يوم القيامة من ثمار
الجنة، ومن سقاه على ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم،
ومَن كساه على عري، كساه الله من خضر الجنة )؛
أي: من حلل الجنة الخضراء.
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده
يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط، وأجوع ما كانوا قط
وأظمأ ما كانوا قط، فمَن كسا لله - عز وجل - كساه الله، ومن أطعم لله،
أطعمه الله، ومن سقى لله سقاه الله، ومَن عفا لله أعفاه الله