هل كذب المنجمون و لو صدقوا ؟!
الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة
والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ومن والاه وبعد .
{ عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً *
إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً }
لأمر ما وردت هذه الآية العظيمة التي تنفي علم الغيب عن غير الله تعالى
في سورة سُمَّيت باسم خلق من خلق الله تعالى هم (الجن) وسمُّوا بهذا
الاسم لاجتنانهم أي استتارهم عن الأعين ولاعتقاد البعض من الناس
أن الجن في مقدورهم معرفة الغيب فنفي الله تعالى ذلك بأبلغ نفي وأشده
وهناك في سورة سبأ والتي ورد فيها أن الله تعالى قد سخَّر الجن لعبده
ونبيِّه سليمان عليه السلام وقد استمروا في العمل الشاق الذي كلفهم به
حتى قضي استأثر الله تعالى به وهم يظنون
أنه لا زال حيا لعدم علمهم الغيب
}فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ
تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ
مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ {
وحول الآية الأولى التي صدرنا بها جواب هذا السؤال الثاني
قال العلماء رحمة الله عليهم: لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر
به دون خلقه كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه ثم استثنى
من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم
وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم.
وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب
ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه
بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه.
وليت شعري ما يقول المنجم في سفينة ركب فيها ألف إنسان على
اختلاف أحوالهم وتباين رتبهم فيهم الملك والسوقة والعالم والجاهل
والغني والفقير والكبير والصغير مع اختلاف طوالعهم وتباين مواليدهم
ودرجات نجومهم فعمهم حكم الغرق في ساعة واحدة؟
فإن قال المنجم قبحه الله: إنما أغرقهم الطالع الذي ركبوا فيه فيكون
على مقتضى ذلك أن هذا الطالع أبطل أحكام تلك الطوالع كلها على
اختلافها عند ولادة كل واحد منهم وما يقتضيه طالعه المخصوص به
فلا فائدة أبدا في عمل المواليد ولا دلالة فيها على شقي ولا سعيد
ولم يبق إلا معاندة القرآن العظيم.
وفيه استحلال دمه على هذا التنجيم
ولقد أحسن الشاعر حيث قال:
حكم المنجم أن طالعَ مولدي يقضي علي بمِيتة الغَرِق
قل للمنجم صَبحة الطوفان هل ولد الجميع بكوكب الغرق
فما يقولون في حوادث الطائرات والسفن وغيرها ؟
قيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب
رضي الله عنه لما أراد لقاء الخوارج:
أتلقاهم والقمر في العقرب؟
وكان ذلك في آخر الشهر. فانظر إلى هذه الكلمة التي أجاب بها وما فيها
من المبالغة في الرد على من يقول بالتنجيم،والإفحام لكل جاهل يحقق
يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة وسر
في ثلاث ساعات يمضين من النهار.
فقال له علي رضي الله عنه: ولم؟
قال: إنك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك بلاء وضر
شديد وإن سرت في الساعة التي أمرتك بها ظفرت وظهرت وأصبت
ما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم منجم ولا لنا من بعده من كلام طويل
يحتج فيه بآيات من التنزيل فمن صدقك في هذا القول لم آمن عليه
أن يكون كمن اتخذ من دون الله ندا أو ضدا اللهم لا طير
إلا طيرك ولا خير إلا خيرك.
نكذبك ونخالفك ونسير في الساعة التي تنهانا عنها.
يا أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر
وإنما المنجم كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار والله لئن بلغني
أنك تنظر في النجوم وتعمل بها لأخلدنك في الحبس ما بقيت وبقيت
ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان.
ثم سافر في الساعة التي نهاه عنها ولقي القوم فقتلهم
وهي وقعة النهروان الثابتة في الصحيح لمسلم.
لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها وظفرنا وظهرنا لقال قائل سار
في الساعة التي أمر بها المنجم ما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم منجم
ولا لنا من بعده فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر وسائر البلدان ثم قال:
يا أيها الناس توكلوا على الله وثقوا به فإنه يكفي ممن سواه.
ويذكر أن رجلا كان عند الحجاج بن يوسف الثقفي منجما فأخذ الحجاج
حصيات بيده قد عرف عددها فقال للمنجم: كم في يدي؟
فأغفله الحجاج وأخذ حصيات لم يعدهن
فحسب فأخطأ ثم حسب أيضا فأخطأ فقال:
أيها الأمير أظنك لا تعرف عدد ما في يدك؟
قال لا: قال: فما الفرق بينهما؟
فقال: إن ذاك أحصيته فخرج عن حد الغيب فحسبت فأصبت
وإن هذا لم تعرف عددها فصار غيبا ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى.
الفقير إلى الله عبد العزيز