{ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ }
وصاحب الطبع اللئيم ما ينفع فيه الإحسان ودفعه بالتي هي أحسن
وهذه القبيلة ياجوج وماجوج مفسدون في الأرض
ولا حل معهم سوى قطع مادة الشر
فطلبوا منه أن يجعل بينهم وبينه سدا مقابل أن يعطونه خرجا أي : مالا
ولكنه كان عفيفا فقال : ما مكنني فيه ربي خير
فامتنع عن اخذ المال منهم مقابل بناء السد
لأنه ملك عادل وعفيف فبنى السد ذو القرنين من حديد ونحاس بين جبلين
فصار ردما واحد وضرب القطر وهو النحاس على الحديد
فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا
فلما انتهى من هذا العمل العظيم اسند هذا العمل إلى الله وانه بتوفيقه
أن يأجوج يبحثون ويحفرون السد كل يوم حتى إذا كانوا يرون شاع الشمس
قال : الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا
فيعودون إليه كأشد ما كان حتى إذا بلغوا مدتهم ,
قال : فحفروا وبلغوا شعاع الشمس , قال : غدا تحفرونه أن شاء الله
فيعودون إليه وهو كهيئة فيخرجون من كل حدب ينسلون .
ولذلك لما علقوا الحفر على المشيئة غدا تحفرونه إن شاء الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
( قالَ سُلَيْمانُ بنُ داودَ عليهما السَّلامُ : لأطوفنَّ اللَّيلةَ علَى مائةِ امرأةٍ
أو تِسعٍ وتِسعينَ كلُّهنَّ يأتي بفارسٍ يُجاهدُ في سبيلِ اللَّهِ
فقالَ لهُ صاحبُهُ : قُل إن شاءَ اللَّهُ
فلَم يقُل إن شاءَ اللَّهُ فلَم يَحمَل منهنَّ إلَّا امرأةٌ واحدةٌ جاءَت بشقِّ رجُلٍ
والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ لَو قالَ : إن شاءَ اللَّهُ ،
لجاهدوا في سبيلِ اللَّهِ فُرسانًا أجمعونَ )
فيحصل امتثال قوله عز و جل :
ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت.
أن قوما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن قصة قال : غدا أخبركم ،
ولم يقل إن شاء الله فاحتبس الوحي عنه مدة ثم نزلت هذه الآية .
وفي الحديث الصحيح : أن سليمان عليه السلام قال :
( لأطوفنَّ اللَّيلةَ علَى مائةِ امرأةٍ )الحديث .
( أن بني إسرائيل لو لم يقولوا إن شاء الله ما اهتدوا أبدا )
يعني : إلى البقرة التي أمروا بذبحها .
و في الحديث الذي في المسند والسنن :
( إنَّ يأجوجَ ومأجوجَ لَيحفِرونَ السَّدَّ كلَّ يومٍ ،
حتَّى إذا كادوا يَرونَ شُعاعَ الشَّمسِ قال الَّذي عليهِم : ارجِعوا ،
فستحفِرونَه غدًا . فيَعودونَ إليه كأشدِّ ما كانَ ، حتَّى إذا بلَغَ مدَّتُهمْ ،
وأراد اللهُ أن يبعثَهم على النَّاسِ ،
حفَروا حتَّى إذا كادوا يرونَ شُعاعَ الشَّمسِ
قالَ الَّذي عليهِم : ارجِعوا ، فستحفِرونَه غدًا إن شاءَ اللهُ )
قال إبراهيم بن أدهم : قال بعضهم :
ما سأل السائلون مسألة هي أنجح من أن يقول العبد ما شاء الله ،
قال : يعني بذلك التفويض إلى الله .
وكان مالك بن أنس كثيرا يقول : ما شاء الله ، ما شاء الله ،
فرأى في منامه قائلا يقول : أنت المعاتب لمالك على قوله ما شاء الله ،
لو شاء مالك أن يثقب الخردل بقوله ما شاء الله
فعل فنبرأ من حولنا وقوتنا ومشيئتنا ونلجأ إلى مشيئة الله وحوله وقوته
فنقر لربنا بقدرته على كل شيء
وأن العبد عاجز عن كل شيء إلا ما أقدره عليه ربه
ففي هذا الكلام إفراد الرب تعالى بالحول والقوة والقدرة والمشيئة
وأن العبد غير قادر من ذلك كله إلا على ما يقدره مولاه
وهذا نهاية توحيد الربوبية .
ما شئت كان و إن لم أشأ وما شئت إن لم تشأ لم يكن
{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا }
هذا يعطينا بأنه كل من عمل خير وانشره في الأرض ولا يريد وجه الله
{ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ }
ختم السورة العظيمة بقوله :
{ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }
ما رفع إلى السماء شيء أعظم من الإخلاص
وما نزل منها شيء أعظم من التوفيق , اللهم أعنا على كمال الإخلاص ,
يا رب ما أخلصنا لك كما ينبغي نشكوا إليك ضعف الإخلاص ونقصه
للكاتب / عبد الرحمن اليحيا التركي .