وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ
عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
( مَنْ يَأْخُذُ مِنْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ ، فَيَعْمَلُ بِهِنَّ ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ
بِهِنَّ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ : فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ،
ثُمَّ قَالَ : اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ
أَغْنَى النَّاسِ ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ
لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ )
السعيد الحق هو من رضي بما قسم الله له , وصبر لمواقع القضاء خيره
وشره , وأحس وذاق طعمالإيمان بربه ,
كما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - :
( ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رضي بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً )
أخرجه أحمد و\"مسلم والتِّرْمِذِيّ
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ،
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
( مَنْ قَالَ : رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا ،وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً
وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ )
إن للرضا حلاوة تفوق حلاوة وعذوبة دونها كل عذوبة ، وله من
المذاق النفسي والروحي والقلبي ما يفوق مذاق اللسان .إن الاضطراب
والتفرق والذل والخوف والفوضى كل ذلك مرهونٌ - سلبًا وإيجابًا -
{ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
والرضا هو السياج الذي يحمي المسلم من تقلبات الزمن , وهو البستان
الوارف الظلال الذي يأوي إليه المؤمن من هجير الحياة .والإنسان بدون
الرضا يقع فريسة لليأس , وتتناوشه الهموم والغموم من كل حدب وصوب .
{ قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم :
{ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }
ولقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النموذج والمثل الأعلى
في الرضا بما قسم الله تعالى .
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود ، قَالَ:
( اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصِيرٍ ، فَأَثَّرَ
في جَنْبِهِ ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ، جَعَلْتُ أَمْسَحُ جَنْبَهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
أَلاَ آذَنْتَنَا حَتَّى نَبْسُطَ لَكَ عَلَى الْحَصِيرِ شَيْئًا ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَا لي وَلِلدُّنْيَا ، مَا أَنَا وَالدُّنْيَا ،
إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ الدُّنْيَا ، كَرَاكِبٍ ظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا )
أخرجه أحمد وابن ماجة والتِّرمِذي.
وها هو الصحابي الجليل عمران بن حصين الذي شارك مع النبي
في الغزوات، وإذ به بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يصاب بشللٍ
يقعده تمامًا عن الحركة، ويستمر معه المرض مدة ثلاثين سنة، حتى أنَّهم
نقبوا له في سريره حتى يقضى حاجته، فدخل عليه بعض الصحابة فلما
أنتم تبكون، أما أنا فراضٍ.. أحبُّ ما أحبه الله، وأرضى
بما ارتضاه الله، وأسعد بما اختاره الله، وأشهدكم أنِّي راضٍ ,
ويقول : إن أحبّ الأشياء إلى نفسي، أحبها إلى الله\"..!!.
وهذه السيدة صفية بنت عبد المطلب؛ والتي قُتل أخوها سيدنا
حمزة بن عبد المطلب، ومثِّل به ومضغت هند بنت عتبة كبده، وجاء
أبو سفيان ووضع الحربة في فمه وأخذ يدقُّها حتى تشوَّه وجهه
استمع إلى ما رواه ابن إسحاق عن هذا المشهد، يقول:
وقد أقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إليه،وكان أخاها لأبيها وأمها،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام:
( القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها )
فقال لها: يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي،
قالت: ولم؟ وقد بلغني أنَّه مُثِّل بأخي، وذلك في الله،فما أرضانا ما كان
من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله؛ فلما جاء الزبير إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك، قال:
فأتته فنظرت إليه وصلَّت عليه واسترجعت واستغفرت .
وهذا هو التابعي الجليل عروة بن الزبير رضي الله عنه قد توفى ابنه
وفاةً غاية في الصعوبة إذ دهسته الخيل بأقدامها، وقُطِعت قدم عروة
في نفس يوم الوفاة، فاحتار الناس على أي شيءٍ يعزونه.. على فقد ابنه
أم على قطع رجله؟فدخلوا عليه،
"اللهم لك الحمد، أعطيتني أربعة أعضاء.. أخذت واحدًا وتركت ثلاثة.
فلك الحمد؛ وكان لي سبعة أبناء.. أخذت واحدًا وأبقيت ستة.. فلك الحمد؛
لك الحمد على ما أعطيت، ولك الحمد على ما أخذت،
أشهدكم أنِّى راضٍ عن ربي " ..
فليتك تحلو والحيــاة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامرًا *** وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صحَّ منك الودُّ فالكلُّ هيِّنٌ *** وكل الذي فوق التراب تراب
فالمؤمن يدرك تماما أن الله جعل له هذه الدنيا دار اختبار وامتحان
من اجتازه بنجاح عبر إلى دار أخرى الخير فيها من الله عميم يُنَادِ
" إِنَّ لَكُمْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا ،
وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْتَئِسُوا أَبَدًا ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :
{ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }
فتذكروا- قول النبي صلى الله عليه وسلم :
( عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ ،
فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ )
أخرجه ابن ماجة والتِّرْمِذِيّ\" .