هو حسن الظن بالله ، والتفاؤل توقع الخير ، والتفاؤل ألا تسمح
للمصائب أن تأخذك إلى اليأس ، التفاؤل أن ترى ما عند الله ،
وأن تكون واثقاً بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك
أن تكون غنياً بالله ، التفاؤل أن تنقل اهتماماتك إلى الدار الآخرة ،
فالدنيا عندئذٍ لا تعنيك ، التفاؤل أن ترى الهدف البعيد ، فإذا حالت
عقبات دونه وأنت مُصر عليه فأنت متفائل ، والتفاؤل صفة العظماء
والتفاؤل صفة المؤمنين ، والتفاؤل صفة الذين عرفوا أن الأمر بيد الله
صفة الموحدين ، فالتفاؤل توقع الخير ، والتفاؤل حسن الظن بالله
والتفاؤل أن تكون محصناً من أن يأخذك اليأس إلى مكان بعيد .
قلتم أن التفاؤل من صفات المؤمنين ، أين أرشدنا القرآن الكريم
إلى أن التفاؤل من صفات المؤمنين ؟
والتفاؤل أساسه الإيمان و هو ثمرة من ثمراته :
المؤمن متفائل حتماً ، لأنه يعلم علم اليقين أن الأمر بيد الله ، وأن الله قوي .
( ما شاءَ اللهُ كانَ ، وما لم يشأْ لم يكن )
[ أخرجه أبو داود عن بنت من بنات النبي ]
وأن الله في أية لحظة بيده المعادلات كلها ، بيده موازين القوى ،
وأن الأمر يرجع إليه ، وما أمرك الله أن تعبده إلا بعد أن طمأنك فقال :
{ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ }
التفاؤل أساسه الإيمان ، أنت حينما تؤمن أن الله وحده هو القوي ، وأن أمره هو النافذ ، وأن :
{ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ }
( سورة الأعراف الآية : 54 )
{ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }
{ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ }
( سورة الزخرف الآية : 84 )
{ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً }
ما دام الله عز وجل ، صاحب الأسماء الحسنى ، هو الرحيم ، هو العدل
هو القوي ، هو الغني ، هو الحنان ، هو المعطي ،
ما دام الأمر بيده الله عز وجل قال :
{ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
ألزم ذاته العلية إلزاماً ذاتياً في الاستقامة ، هو العدل ، وسعت رحمته
كل شيء ، لا يمكن أن يجتمع إيمان بالله مع التشاؤم ، إيمان بالله
مع اليأس ، إيمان بالله مع السوداوية ،
{ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }
أي كأن التشاؤم من صفات الكفار وكأن التفاؤل من صفات المؤمنين .
التشاؤم من صفات الكفار والتفاؤل من صفات المؤمنين :
الإيمان بالله أثمر التفاؤل ، وعدم الإيمان به يؤدي إلى التشاؤم ، إنسان لا يرى أن الله بيده كل شيء ، يرى قوى مخيفة ، طاغية ، معتدية
حاقدة ، جبارة ، لا ترحم ، وأنه ضعيف أمامها ، طبعاً تحصيل حاصل
أن يكون متشائماً ، تحصيل حاصل أن يسحق نفسياً ، أن يحس بالإحباط
كل مشاعر الإحباط ، والخوف الشديد القاتل ، واليأس القاتل ، بسبب
ضعف الإيمان .مثلاً لا أعتقد أن هناك حالة أصعب من أن يكون عدواً قوياً
، حاقداً ، ظالماً ، متغطرساً ، وراءك بكل قوته ، وأنت مع بعض الأشخاص
قلة قليلة لا تملكون شيئاً ، والبحر أمامكم
{ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ }
لا يعقل أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام وهو في الغار ، وقد وصلوا
إليه ، وقد وضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً ، أو ميتاً ، وأن يبقى ثابتاً
واثقاً من الله عز وجل ، قال يا رسول الله ، في رواية : لقد رأونا ،
( لو أن أحدهم نظر إِلى قَدَمْيه أبْصَرَنَا تحت قدميه
فقال : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ )
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك ]
طبعاً هذه صفات الأنبياء ، لكن لكل مؤمن من هذه الصفات نصيب
بقدر إيمانه ، فأنت حينما ترى أن الله سبحانه وتعالى حينما يقول :
{ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }
هذه آية تملأ القلب تفاؤلاً ، أنت إنسان مستقيم ، وقاف عند حدود الله
دخلك حلال ، بيتك إسلامي ، عملك إسلامي ، لا تعصي الله ، لا تكذب
لا تغش المسلمين ، لم تبنِ مجدك على أنقاضهم ، ولا حياتك على موتهم
ولا غناك على فقرهم ، ولا أمنك على خوفهم ، ولا عزك على ذلهم
إنسان تخشى الله ، لا بدّ لك من معاملة خاصة ،
لا بدّ لك من أن تكون متميزاً عن بقية الناس .
آيات من القرآن الكريم تثبت أن الإيمان والتوحيد يورثا التفاؤل :
لذلك الإيمان والتوحيد يورثا التفاؤل ، والشواهد كثيرة جداً ، هذه الآية أوضح آية:
{ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }
{ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ }
{ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }
{ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ }
{ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا }
( سورة التوبة الآية : 51 )
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ
أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ،
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ }
القرآن الكريم يملأ القلب تفاؤلاً :
{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى }
{ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }
{ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ }
{ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً }
( سورة النور الآية : 55 )
{ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }
{ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }
هذه آيات في كتاب الله ، هذه وعود رب العالمين ، وزوال الكون
أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .
المؤمن دائماً متفائل و لا يسمح لشيء أن يسحقه أو يشلّ قدراته :
كيف لا يكون المؤمن متفائلاً وقد يرى أن الله سبحانه وتعالى معه ؟
{ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ }
أي الله معهم بالنصر ، والتأييد ، والحفظ ، والتوفيق ، هذه معية خاصة
لذلك المؤمن قطعاً متفائل ، ولا يسمح لمصيبة أن تسحقه ، ولا يسمح
لمصيبة أن تأخذه إلى اليأس ، ولا يسمح لمصيبة أن تشل قدراته ،
ولا يسمح لمصيبة أن تجعله سوداوياً متشائماً ، لكن ضعف الإيمان
يودي إلى التشاؤم ، ضعف الإيمان يودي إلى السوداوية ، واليأس .