النهي عن البيع على البيع :
وقد ورد النهي عنه كثيراً في الحديث، وصورته أن يقول الرجل لمن
اشترى سلعة في زمن خيار المجلس أو خيار الشرط: افسخ لأبيعك خيراً
منها بمثل ثمنها، أو مثلها بأنقص، ومثل ذلك الشراء على الشراء، كأن
يقول للبائع: افسخ البيع لأشتري منك بأكثر، وقد أجمع العلماء على أن
البيع على البيع والشراء على الشراء حرام .
و هذا الصنيع في حالة البيع والشراء ، صنع آثم ، منهي عنه .
أما السوم على السوم : فهو أن يتفق صاحب السلعة والراغب فيها على
البيع، وقبل أن يعقداه يقول آخر لصاحبها : أنا أشتريها بأكثر، أو للراغب
: أنا أبيعك خيراً منها بأقل ثمناً، فهو حرام كالبيع على البيع والشراء على
الشراء، ولا فرق في هذا بين الكافر والمؤمن ، لأنه من باب الوفاء بالذمة والعهد .
والحكمة في تحريم هذه الصورة ما فيها من الإيذاء والإضرار، و أما بيع
المزايدة وهو البيع ممن يزيد فليس من المنهي عنه، لأنه قبل الاتفاق
و الاستقرار، و ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض بعض السلع و كان يقول :
يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنشر التآخي بين المسلمين فيقول:
( وكونوا عباد الله إخواناً )
أي اكتسبوا ما تصيرون به إخواناً من ترك التحاسد والتناجش والتباغض
والتدابر وبيع بعضكم على بعض، وتعاملوا فيما بينكم معاملة الإخوة
ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير
مع صفاء القلوب. ولا تنسوا أنكم عباد الله، ومن صفة العبيد إطاعة أمر
سيدهم بأن يكونوا كالإخوة متعاونين في إقامة دينه وإظهار شعائره،
وهذا لا يتم بغير ائتلاف القلوب وتراص الصفوف
{ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ }
ولابد في اكتساب الأخوة من أداء حقوق المسلم على المسلم، كالسلام
عليه، وتشميته إذا عطس، وعيادته إذا مرض ، وتشييع جنازته، وإجابة
دعوته ، والنصح له .و مما يزيد الأخوة محبة ومودة الهدية و المصافحة
، ففي الترمذي عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( تهادَوا فإن الهدية تذهب وَحَرَ الصدر )
فلا يُدخل عليه ضرراً في نفسه أو دينه أو عرضه أو ماله
بغير إذن شرعي، لأن ذلك ظلم وقطيعة محرَّمة تنافي أخوة الإسلام .
الخذلان للمسلم محرم شديد التحريم، لا سيما مع الاحتياج والاضطرار
{ وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ }
( ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلماً في موضع تنتهك فيه
حرمته وينتقص من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب نصرته )
والخذلان المحرم يكون دنيوياً، كأن يقدر على نصرة مظلوم ودفع ظالمه
فلا يفعل. ويكون دينياً، كأن يقدر على نصحه عن غيه بنحو وعظ فلا يفعل
تحريم الكذب عليه أو تكذيبه :
و من حق المسلم على المسلم أن يصدق معه إذا حدثه، وأن يصدقه إذا
سمع حديثه ، ومما يُخِلّ بالأمانة الإسلامية أن يخبره خلاف الواقع،
أو يحدثه بما يتنافى مع الحقيقة،
وفي مسند الإمام أحمد عن النواس بن سمعان ،
عن النبي صلى الله عليه وسلم :
( كَبُرَت خيانة أن تُحَدِّث أخاك حديثاً هو لك مُصَدِّقٌ وأنت به كاذب )
يحرم على المسلم أن يستصغر شأن أخيه المسلم وأن يضع من قدره،
لأن الله تعالى لما خلقه لم يحقره بل كرمه ورفعه وخاطبه وكلفه،
فاحتقاره تجاوز لحد الربوبية في الكبرياء، وهو ذنب عظيم.
التقوى مقياس التفاضل وميزان الرجال :
التقوى هي اجتناب عذاب الله بفعل المأمور وترك المحظور، والله سبحانه
وتعالى إنما يكرم الإنسان بتقواه وحسن طاعته، لا بشخصه أو كثرة
أمواله. فالناس يتفاوتون عند الله في منازلهم حسب أعمالهم، وبمقدار
{ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }
وإذا كانت التقوى في القلوب فلا يطلع أحد على حقيقتها إلا الله. كما أن
الأعمال الظاهرة لا تحصل بها التقوى، إنما تحصل بما يقع في القلب
من عظيم خشية الله ومراقبته .
فقد يكون كثير ممن له صورة حسنة أو مال أو جاه أو رياسة في الدنيا
قلبه خراب من التقوى ، ويكون من ليس له شيء من ذلك قلبه مملوء
من التقوى ، فيكون أكرم عند الله تعالى، ولذلك كان التحقير جريمة كبرى
، لأنه اختلال في ميزان التفاضل وظلم فادح في اعتبار المظهر ، وإسقاط
التقوى التي بها يوزن الرجال .
للمسلم حرمة في دمه وماله وعرضه ، وهي مما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يخطب بها في المجامع العظيمة ، فإنه خطب بها في حجة الوداع :
يوم النحر ، و يوم عرفة ، و يوم الثاني من أيام التشريق و قال :
( إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا
في شهركم هذا في بلدكم هذا )
و هذه هي الحقوق الإنسانية العامة التي يقوم عليها بناء المجتمع المسلم
الآمن ، حيث يشعر المسلم بالطمأنينة على ماله ، فلا يسطو عليه لص
أو يغتصبه غاصب ، و الطمأنينة على عرضه ، فلا يعتدي عليه أحد ،
و حفاظاً على ذلك كله شرع الله تعالى القصاص في النفس والأطراف ،
و شرع قطع اليد للسارق ، و الرجم أو الجلد للزاني الأثيم .
ومن كمال الحفاظ على حرمة المسلم عدم إخافته أو ترويعه،
ففي سنن أبي داود : أخذ بعض الصحابة حَبْلَ آخرَ ففزع،
( لا يحل لمسلم أن يُرَوع مسلماً )
وروى أحمد وأبو داود والترمذي:
( لا يأخذ أحدكم عصا أخيه لاعباً ولا جاداً )
( لا يتناجى اثنان دون الثالث فإنه يُحزنه )
( فإن ذلك يؤذي المؤمن والله يكره أذى المؤمن )
أن الإسلام ليس عقيدة وعبادة فحسب ، بل هو أخلاق و معاملة أيضاً .
الأخلاق المذمومة في شريعة الإسلام جريمة ممقوتة .
النية والعمل هي المقياس الدقيق الذي يزن الله به عباده ،
القلب هو منبع خشية الله والخوف منه .