وينبغي أن تبتعد النصيحة والتوجيه عن الأوامر، أو التقريع والضيق
من فشل الطفل من أداء ذلك العمل، لأنّ هذا سيضاعف من خجله، وارتباكه.
وفي بعض الحالات يرجع خجل الطفل إلى ضعف جهازه العصبي، فالأطفال
ذوو الجهاز العصبي الضعيف ينشأون في معظم الأحيان خجولين متهيبين
سريعي التأثر بشكل مفرط، ولكن التربية الصحيحة سوف تمكن مثل هذا
الطفل من التخلص من خجله، وتزرع داخله الشعور بالجرأة والقدرة
على التعامل بشكل أكثر بساطة وسلاسة.
من السلوكيات والميول السلبية لدى الأطفال هناك.. الغيرة، غيرة
أطفالهم، فكثيراً ما نسمع بعض الآباء والأُمّهات يشكون من ان طفلهم
"الذي كان لطيفاً ووديعاً قبل ولادة أخيه الأصغر، أصبح الآن كثير
المشاكل لا يكف عن ضرب أخيه الأصغر، وانتزاع اللعب منه لا لأنّه
يريد أن يلعب بها بل لكي يحرم أخاه منها، وهو يغضب إذا اهتم
أحدنا بذلك الصغير، ويعمد فوراً إلى إيذائه".
وحيرة الآباء والأُمّهات أمام غيرة الأطفال، تعكس خطأ الكبار في
افتراضهم انّ الأطفال هم غير قادرين على التقييم الصحيح لما يحبط
بهم، فالأطفال يتحسسون بدقة كافية كيف يعاملهم الكبار، ومقدار العدل
والاخلاص في عواطفهم، فالفطنة الطفولية مذهلة خاصة فيما يتعلق
بعواطف ومعاملة الكبار لهم.
لذلك فمعاملة الوالدين غير المتساوية والعادلة، للكبير والصغير، للخامل
والذكي النشيط، قد تكون سبباً في غيرة الطفل، ومثل هذه المعاملة
تمارس من الوالدين بدون وعي، فهما غالباً ما يكونان واثقين من أنهما
يتصرفان بانصاف، بينما في أحيان غير نادرة يجد الكبير عطفاً أقل، ويلزم
بمتطلبات أكثر استياءً من الطفل الآخر، أخيه الصغير الذي انتزع منه
حب وعطف والديه.ومثل هذا الطفل على حق في غيرته التي تعبر عن
مطالبه من حب ورعاية والديه. فالغيرة هي رد فعل دفاعي لدى الطفل،
يثبت وجوده بواسطتها، وهي وسيلة للتعبير عن احتياجاته وشكل
للاحتجاج على تجاهل هذه الاحتياجات. وغيرة الطفل لها عواقبها الكثيرة،
فإذا لم تعالج من قبل والديه، فإنّها تطبع الطفل على العناد والمشاكسة
والانطواء وعدم الثقة بالنفس والروح العدائية، ومثل هؤلاء الأطفال
ينعزلون وغالباً ما يغتمون ويتكدرون ويبكون ويضجرون دون سبب
واضح، كما أنّهم لا يستطيعون التعلُّم باجتهاد ولا اللعب بانغماس، وغالباً
ما تكون علاقاتهم مع غيرهم من الأطفال سيئة للغاية، ما لم يحرصوا على
أن يكونوا عادلين في توزيع اهتمامهم وعطفهم وحبهم على أطفالهم، وأن
يتجنبوا ويكفوا عن مواجهة الطفل الغيور بالملاحظات الانتقادية
واللهجات الآمرة لأنّ مثل هذه الأساليب تزيد من احساس الطفل
الغيور بالاهانة والحرمان من الحب والاهتمام.
ميول بعض الأطفال إلى (القسوة)،
ومن الميول السلبية لدى الأطفال، الناتجة عن الأساليب التربوية الخاطئة
من الوالدين ميول بعض الأطفال إلى (القسوة)، والتي من مظاهرها في
حياتنا اليومية ضرب طفل لآخر، أصغر منه، أو عندما يدس رجله بين
رجليه فيوقعه على الأرض، أو لجري مجموعة وراء كلب أو قطة فيقذفها
الأولاد بالحجارة أو يضربونها بقسوة، أو كان يربط أحدهم طائراً صغيراً
من رجله بخيط ويظل يعبث به حتى يموت أو يجرح.
فما هو الدافع وراء شعور الأطفال بالتلذذ بألم
وخوف مخلوق آخر أكثر ضعفاً؟
ولتوضيح هذا الأمر نسوق مثلاً عرضه أحد علماء التربية، في دراسة
علمية أجراها عن تأثير الأساليب التربوية الخاطئة على شخصية الأطفال.
عادت الفتاة الصغيرة وهي تلميذة بالصف الخامس إلى البيت ودقت
الجرس الأوّل فلم يفتح لها أحد، فقطبت حاجبيها وظهرت تجعيدة غاضبة
على فمها، ثمّ أخذت تدق الباب بقدمها، وفتحت لها أمّها المريضة
وسألتها، أيليق بك أن تدقي الباب بهذا الشكل؟فردت الفتاة:
وأنتم هل أصبتم بالصمم انني أطرق الباب منذ نصف ساعة. والقت
حقيبتها على الاريكة وذهبت إلى المطبخ، ومن هناك تعالى صوتها
غاضباً: مرة أخرى لا يوجد خبز.فأجابتها والدتها: "لم استطع احضاره
لأني متوعكة وحرارتي مرتفعة".. وقبل أن تكمل الأُم حديثها صرخت
الفتاة قائلة: "لن اذهب لاحضاره فأنا الأخرى عندي دروسي التي
والفتاة في المدرسة – حسب قول مُدرسة الفصل – تلميذة وديعة
ومتعاونة فلماذا هي في المنزل خشنة قاسية إلى هذا الحد؟
"عندما درست حالة هذه الطفلة، وجدت أن أُمّها هي الملومة والمسؤولية
الأولى عن ذلك، وإليكم بعض الوقائع التي توضح كيف بدأ ذلك:تقول
الفتاة: "ماما أنا ذاهبة إلى زميلتي فهي مريضة ويجب أن أساعدها في
تحضير الدروس".فتجيب الأُم: "ولماذا يجب أن تذهبي أنتِ بالذات إليها،
أين الأخريات؟ ان عليكِ أن تستذكري دروسك ثمّ تنامي لتنالي قسطاً من
الراحة" وبقيت الفتاة في المنزل، وبالطبع أخذت، تسأل نفسها
"حقا لماذا أذهب أنا دون الأخريات لمساعدة هذه الزميلة".
وذات مرة جاءت رسالة بالبريد خطأ، فاخرجتها الفتاة من صندوق البريد
وهي تقول: "ماما اسم العائلة معروف... وسأحملها إلى العنوان" ولكن
الأُم تجيبها: "وما دخلك أنتِ برسائل الآخرين، سيأتي ساعي البريد
ويأخذها، انّه يتقاضى نقوداً على هذا العمل".
وهكذ كانت الأُم تغرس في ابنتها انّها يجب أن تفعل فقط كل ما يمس
مصالحها الشخصية بشكل مباشر، والنتيجة أن يتحول الطفل إلى إنسان
فظ أناني محب لذاته ولا يخلو من القسوة.وترجع قسوة الطفل أيضاً،
وفي كثير من الأحيان، إلى تعامل الوالدين معه بشدة وفظاظة مفرطة،
وكأن التربية هي نظام للمحرمات والعقوبات الجسدية، الأمر الذي ينمي
ويزرع لديه الاعتقاد بوجوب طاعة القوة، ويبقى الضعيف خاضعاً في
نظره، لقسوة ليس لها ما يحدها أو يردعها، فالطفل الذي يواجه بقسوة
مفرطة من والديه، غالباً ما ينتقم لهذه الطفولة المسحوقة بالاعتداء
والقسوة على من هم أضعف منه.
لذلك فقسوة الأطفال هي نتاج بيعي لقسوة الوالدين معه،
أو لعجزهما عن الضرب على الأوتار الطيبة في نفوس أطفالهم
ونتيجة أحاسيسهم وميولهم الإيجابية.
ومن أبرز الميول السلبية التي تنشأ لدى عديد من الأطفال، الأنانية،
وأنانية الطفل ترجع دائماً إلى سوء تربية الوالدين، وبالذات المبالغة
في التدليل، واستحسان ومدح تصرفات الطفل دون تمييز بين الصواب
والخطأ، وتلبية احتياجاته على طول الخط وعدم تكليفه بأيّة أعمال أو
مهام يقوم بها سواء لخدمة نفسه – حتى وان بشكل رمزي إذا كان صغير
السن بعد – أو للمساعدة في خدمة الآخرين. هذا التدليل الزائد من
الوالدين للطفل، يؤدي إلى نشوئه حاد المزاج سريع التأثر، يتوقع من
الآخرين الاعجاب الدائم والتنازلات المستمرة، كما يؤدي إلى بروز فردية
الطفل، التي ستصبح فيما بعد عند الاختلاط مع غيره من الأطفال،
ولتفادي حدوث ذلك، على الأخص بالنسبة للطفل الوحيدة في الأسرة،
ينبغي تربية الطفل على مبادئ الحزم والاحترام المتبادل، ولا يجوز
السماح بتنفيذ كل أهوائه ومطالبه على طول الخط، على أن يرتبط
ذلك بتعويده على تحمل المسؤولية وخدمة نفسه بنفسه.فالتربية المدللة
للطفل، تضعف إرادته، وتولد لديه الكسل واللامبالاة والعجز عن قهر
الصعوبات، كما تخلق لديه التعالي والغرور وادعاء الحق دائماً. وعندما
يكبر الأطفال ويدخلون معترك الحياة، فسوف يريدون – كالسابق – أن
يكونوا الأوائل المخطيين في كل شيء، دون ان يرتبط ذلك بالعمل والجد
وتحمل المسؤولية، وهو لا يتحقق دائماً، ممّا يدفعهم اما إلى الاحباط
والاخفاق المستمر، أو إلى سلوك الطرق السهلة غير الشرعية وغير
الأخلاقية، ويجعلهم ذلك في صراع دائم مع المجتمع والقانون.