"من كان رباه العسف والقهر، حمله ذلك على الكذب والخبث وهو
التظاهر بغير ما في ضميره خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر ذلك علمًا
عليه، وعلمه المكر والخديعة وصارت له هذه العادة خلقًا وفسدت معاني
الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن وهي الحمية والمدافعة
عن نفسه، وصار عيالًا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب
الفضائل والخلق الجميل، فينبغي للمعلم في متعلمه والوالد في والده
ألا يستبد عليهما في التأديب"
"ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين، فإنه يهون عليه سماع
الملامة وركوب القبائح، ويسقط وقع الكلام من قلبه، وليكن الأب حافظًا
هيبته عند الكلام معه فلا يوبخه إلا أحيانًا، والأم تخوفه بالأدب وتزجره
ومتى ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود، فينبغي أن يكرم عليه،
ويجازى بما يفرح به، ويمدح به بين أظهر الناس، فإن خالف ذلك في
بعض الأحوال تغوفل عنه ولا يكاشف، فإن عاد عوتب سرًا وخوف من
اطلاع الناس عليه، ولا يكثر عليه العتاب لأن ذلك يهون عليه سماع
الملامة وليكن حافظًا هيبة الكلام معه
ولقد حث نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الرفق
ونبذ العنف فقال صلى الله عليه وسلم
( يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق،
6. حقه في العدل والمساواة بينه وبين إخوته:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ
وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }
{ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
أمر الله سبحانه المؤمنين بالعدل حتى مع الأعداء، فما بالنا مع الأبناء
الصغار، فالظلم وعدم المساواة يولد في نفس الطفل شعور بالاضطهاد
والظلم، فيدمر في نفسه القاعدة التي تبنى عليها في المستقبل القيم العليا
والمبادئ، لأنه يجد في أقرب الناس إليه وألصقهم به وهما الوالدان
نموذجًا سيئًا، فكيف يتعلم هو العدل، وكيف يتعلم بقية القيم والمبادئ
التي يقوم عليها الإسلام (محمد نور سويد، 1997، علم أطوار الإنسان
ص137). فقد أثبتت الدراسات النفسية أن ظهور اضرابات نفسية
واجتماعية على الطفل يرجع معظمها إلى إحساسه بالعدل والمساواة مع
أقرانه أو عدمه. وليس أدل على ذلك مما ورد في القرآن الكريم في قصة
سيدنا يوسف مع إخوته، تأمل سلوك إخوة يوسف عليه السلام الناتج
عن حب أبيهم ليوسف عليه السلام وتفضيله عليهم، يتضح لك أن عدم
المساواة بين الإخوة له تأثير عظيم على انفعالاتهم ومن ثم سلوكهم.
{ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ *
إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ *
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ
وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ }
وكما يقول شيخ الإسلام بن تيمية:
"إن الله ينصر الدولة الظالمة مع العدل، ولا ينصر الدولة المسلمة مع
الظلم"، ولذلك فالجو المنزلي الذي يسود فيه شعور المحبة والمساواة
ينتج أطفالًا منضبطين سلوكيًا، مستقرين سلوكيًا، والجو المنزلي الذي
يسود فيه شعور الاضطهاد والظلم ينتج عنه أطفالًا مضطربين في
انفعالاتهم، شاذين في سلوكهم.
والسنة النبوية الشريفة مليئة بالأحاديث
التي توضح ذلك ومن هذه الأحاديث
( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )
7. حقه في التوجيه والإرشاد:
أثبتت الدراسات التربوية أن البيئة لها تأثير بالغ على شخصية الطفل
حيث إنه يكتسب سلوكياته وقيمه ومعتقداته من بيئته تؤثر فيه ويتأثر
بها، من خلال التفاعل الإيجابي المستمر بينه وبين مكونات بيئته. ولهذا
أولى القرآن الكريم موضع التوجيه والإرشاد عناية فائقة، ولو رجعنا إلى
كتاب الله عز وجل وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لوجدنا أن أكثر الأمور ذكرًا فيها بعد العقيدة موضوع الآداب والسلوك
الاجتماعي فقد ندر أن تخلو سورة من السور المكية من واجبات
اجتماعية تلزم بالحرص عليها والالتزام بآدائها، وأما السور المدنية
فمنها سور كاملة ذات اهتمام للسلوك الاجتماعي
(ص91 رعاية الطفولة د/ عبد القوي عبد الغني).
ولنا في الأنبياء والرسل أسوة حسنة وفي قصصهم عبرة وفي كلامهم
عظة، فقد ساق الله تعالى لنا ما يدلنا على أهمية الإرشاد والتوجيه من
خلال مواقف الأنبياء منها قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام:
{ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا
إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ }
وقول لقمان الحكيم في قوله تعالى:
{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
فهذا أب حكيم يوجه ابنه ويرشده إلى ما فيه سعادته وصلاحه في الدارين.
كذلك ينبغي للمربي أن يحرص وهو يمارس التوجيه أن يذكر للصغير
الأسباب والعلل، فالصغير يتسائل لمَ هذا ولماذا ذلك ولمَ ينهاني والدي
هذا هو ما علمنا إياه ربنا تبارك وتعالى، فالمتبع للتوجيهات والإرشادات
من أوامر ونواهي في الكتاب العزيز يجد أن الله سبحانه بعد ما يأمرنا
بشيء أو ينهانا عن شيء يوضح الغاية والعلة من وراء ذلك وهو غني
عن ذلك لأنه الإله الذي يأمر فيطاع، ولكن ليعلمنا ولتطمئن قلوبنا، اقرأ
على سبيل المثال أول سورة في القرآن أمرنا الله بالحمد بصيغة الخبر
ثم بين وهو استحقاقه سبحانه الحمد لأنه الرحمن الرحيم مالك يوم الدين
تبارك الله وتعالى. ففي الآية الأولى يبين يعقوب عليه السلام قصده من
نهي ولده يوسف أن يقصص رؤياه على إخوته حتى لا يكيدوا له،
يعتبر اللعب بمثابة الشغل الشاغل بالنسبه للصغار، فحياتهم كلها في اللعب
ويكون اللعب بالنسبه له موجهًا للتكيف الاجتماعي والانفعالي، حيث يتسم
الطفل الذي يحرص على اللعب والمرح بالصحة النفسية الجيدة. واللعب
ظاهرة نمائية اجتماعية لها تأثير مباشر على نمو الطفل الاجتماعي
والخلقي وتأهيلهم لعالم الكبار، وهو جزء لا يتجزأ من حياته، فلا ينبغي
أن يستهان به ويضيق على الطفل فيه فيحدث تصادم بين ذلك وبين ما
فطروا وجبلوا عليه. ويتضح لنا أهمية ظاهرة اللعب في حياة الطفل ومدى
حقه فيه، بالنظر في قصة يوسف عليه السلام مع إخوته، حيث كان
يعقوب عليه السلام يولي يوسف عناية ورعاية لما علم من أمره، ولما
تنبأ به من حالهم وموقفهم منه في حال علمهم بأمر الرؤيا، فخاف عليه
منهم، ولم يتركه لهم، ولم يأمنهم عليه مثل باقي إخوته، وعندما استحوذ
عليهم الشيطان وقرروا التخلص من أخيهم غيرة وحسدًا دبروا أمرهم
وأحكموا خطتهم، لم يبق أمامهم الا إقناع أبيهم بأخذه معهم مع علمهم
المسبق برفضه، احتالوا على أبيهم وعرضوا عليه أنه سيلعب ويرتع
{ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ *
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ }
. فما كان يعقوب ليترك يوسف مع إخوته إلا لهدف عظيم وغايه نبيلة
"يحسن له بعد خروجه من المكتب إن يفسح له في لعب جميلًا يستريح
إليه من تعب المكتب بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب
وإرهاقه إلى التعلم دائمًا يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش
حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسًا".
وقد وردت أحاديث كثيره تفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يلاطف الأطفال
ويلاعبهم ويكفل لهم حقهم في اللعب، وكذلك فعل الراشدون وسائر
الصحابة من بعده ومن ذلك، أنه صلى الله عليه وسلم مر على نفر
( ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا، ارموا وأنا مع بني فلان»
فأمسك أحد الفريقين عن الرمي فقال صلى الله عليه وسلم:
(البخاري 2899، رواه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه).
كما أنه يمكن عن طريق اللعب أن تبث فيهم الأخلاق الحسنة كالصدق
والأمانة، وتحزرهم من الأخلاق الذميمة كالكذب، والخيانة، والغش،
والألفاظ البذيئة ونحو ذلكإذن لا بد أن يتيح الوالدين للطفل حرية اللعب،
حيث أن اللعب نشاط جسمي وذهني وانفعالي يشمل نفسية الطفل وحياته
العامة، واللعب طبيعة فطرية في الطفل، جعلها الله تعالى غريزة في نفسه
لكي ينمو جسمه نموًا طبيعيًا بشكل قوي، فاللعب يطور عقليته وينمي
ذكائه ويساهم في بناء جسده، ولذا ينبغي أن ينظر المربين إلى اللعب
على أساس أنه ضروري للطفل.
ومن مظاهر رعاية القرآن الكريم للطفل، أوجب على أبيه أن ينفق عليه
{ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ
وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ
وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى . لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ
وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا
سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا }
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( أفضل الصدقة ما ترك غني واليد العليا خير من اليد السفلى
وابدأ بمن تعول؛ تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني
ويقول العبد: أطعمني واستعملني ويقول الابن: أطعمني
فقالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: لا هذا من كيس أبي هريرة
(البخارى 5355). وقد أورد الأمام البخاري بابًا كاملًا
في فضل النفقة على الأهل (ارجع إليه إن أردت الاستزادة).
10. حقه في الإنفاق على أُمه أثناء حمله:
لعل هذا الحق هو أسمى وأجل الحقوق التي كفلها الإسلام للطفل فحاشا لله
أن يغفل عن إظهار حق من حقوق الطفل حتى وهو في بطن أُمه، حتى
{ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ
وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ
وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى }
وذلك هو تكريم للأم ورحمة منه سبحانه بهذا الصغير، حتى لا يكون
فشل الوالدين في حياتهم وعدم التوافق بينهما نكبة على الصغير.