343 الحلقة09من الجزء الرابع و العشرين
الصدق
هناك دوافع تجعل الإنسان حريصًا على الصدق، متحريًا له،
وقد ذكر الماوردي منها: العقل؛ لأنه موجب لقبح الكذب،
لا سيما إذا لم يجلب نفعًا ولم يدفع ضررًا .
والعقل يدعو إلى فعل ما كان مستحسنًا، ويمنع من إتيان ما كان مستقبحًا.
ومنها: الدين الوارد باتباع الصدق وحظر الكذب؛
لأنَّ الشرع لا يجوز أن يرد بإرخاص ما حظره العقل،
بل قد جاء الشرع زائدًا على ما اقتضاه العقل من حظر الكذب؛
لأن الشرع ورد بحظر الكذب، وإن جرَّ نفعًا، أو دفع ضررًا.
والعقل إنما حظر ما لا يجلب نفعًا، ولا يدفع ضررًا .
ومنها: المروءة؛ فإنها مانعة من الكذب باعثة على الصدق؛
لأنها قد تمنع من فعل ما كان مستكرهًا، فأولى من فعل ما كان مستقبحًا .
ومنها: حب الثناء والاشتهار بالصدق، حتى لا يُردَّ عليه قول، ولا يلحقه ندم .
هذه بعض الآفات التي تخل بصدق المسلم،
وتوهن أركان الصدق في شخصيته؛ ولذا يجب الحذر منها،
ومجاهدة النفس على الابتعاد عنها، والتخلص منها، ومن هذه الأمور:
الرياء وهو الشرك الخفي، الذي تختلف فيه سريرة المرء عن علانيته،
( أيها الناس، اتقوا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل.
قالوا: وكيف نتقيه يا رسول الله ؟
قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا نعلمه،
إنَّ من كمال الصدق حسن الاتباع،
وبقدر استمساك المرء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم يكون صدقه
{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }
أي: إن كنتم صادقين في محبتكم لربكم اتبعوا سنة
رسولكم صلى الله عليه وسلم، فعلامة صدق المحبة كمال الاتباع؛
ولهذا كانت الصديقيَّة: كمال الإخلاص والانقياد، والمتابعة للخبر والأمر،
من كثر كلامه كثر سقطه؛ إذ لا يخلو في كثير من الأحيان
من التزيد واللغو أو الهذر الذي إذا لم يضرَّ فإنَّه لا ينفع،
{ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ
أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ
فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }
ومن الكذب أن يحدث الإنسان بكلِّ ما يسمع من أحاديث
وأخبار دون تحرير لها ولا تنقيح؛ لأنه بتهاونه وإهماله
وعدم تحريه الصدق في الأخبار يساهم في نشر الأكاذيب وإشاعتها؛
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:
( كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع )
الاسترسال مع النفس في أهوائها وشهواتها، ليست من صفات الصادقين؛
[ لا يشمُّ رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره فكلما ألجمها
بلجام المجاهدة، وزمَّها بزمام المراقبة والمحاسبة، ثبتت على الصدق قدمه ]
5- التناقض بين القول والعمل:
لقد عدَّ بعض السلف مخالفة عمل المرء لقوله أمارة كذب ونفاق.
[ ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبًا ]