إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
[ موقف أهل السنة و الجماعة من التمثيل]
التمثيل:
ذكر مماثل للشيء، وبينه وبين التكييف عموم وخصوص مطلق، لأن كل
ممثل مكيف، وليس كل مكيف ممثلاً، لأن التكييف ذكر كيفية غير مقرونة
بمماثل، مثل أن تقول: لي قلم كيفيته كذا وكذا. فإن قرنت بمماثل،
صار تمثيلاً، مثل أن أقول: هذا القلم مثل هذا القلم، لأني ذكرت شيئاً
مماثلاً لشيء, وعرفت هذا القلم بذكر مماثلة.
وأهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل
الصفات بدون مماثلة، يقولون:
إن الله عز وجل له حياة وليست مثل حياتنا، له علم وليس مثل علمنا،
له بصر، ليس مثل بصرنا، له وجه وليس مثل وجوهنا له يد وليست
مثل أيدينا... وهكذا جميع الصفات، يقولون: إن الله عز وجل لا يماثل
خلقه فيما وصف به نفسه أبداً، ولهم على ذلك أدلة سمعية وأدلة عقلية:
أ- الأدلة السمعية: تنقسم إلى قسمين: خبر، وطلب.
- فمن الخبر
قوله تعالى:
} لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ {
[الشورى: 11]
فالآية فيها نفي صريح للتمثيل
وقوله:
} هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا {
[مريم: 65]
فإن هذا وإن كان إنشاء، لكنه بمعنى الخبر
لأنه استفهام بمعنى النفي
وقوله:
} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ {
[الإخلاص: 4]
فهذه كلها تدل على نفي المماثلة، وهي كلها خبرية.
- وأما الطلب،
- فقال الله تعالى:
} فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً {
[البقرة: 22]
أي: نظراء مماثلين.
وقال:
}فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ{
[النحل: 74].
فمن مثَّل الله بخلقه، فقد كذب الخبر وعصى الأمر ولهذا أطلق بعض
السلف القول بالتكفير لمن مثَّل الله بخلقه،
فقال نعيم بن حماد الخزاعي
شيخ البخاري رحمه الله:
من شبه الله بخلقه، فقد كفر ، لأنه جمع
بين التكذيب بالخبر وعصيان الطلب.
وأما الأدلة العقلية على انتفاء التماثل
بين الخالق والمخلوق: فمن وجوه:
أولاً: أن نقول لا يمكن التماثل بين الخالق والمخلوق بأي حال من الأحوال
لو لم يكن بينهما من التباين إلا أصل الوجود، لكان كافياً، وذلك أن وجود
الخالق واجب، فهو أزلي أبدي، ووجود المخلوق ممكن مسبوق بعدم
ويلحقه فناء، فما كانا كذلك لا يمكن أن يقال: إنهما متماثلان.
ثانياً: أنا نجد التباين العظيم بين الخالق والمخلوق في صفاته وفي أفعاله،
في صفاته يسمع عز وجل كل صوت مهما خفي ومهما بعد، لو كان
في قعار البحار، لسمعه عز وجل.
وأنزل الله قوله تعالى:
}قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي
إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {
[المجادلة: 1]
تقول أم المؤمنين السيدة / عائشة /
رضى الله تعالى عنها وعن أبيها:
الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ...والله تعالى سمعها من على
عرشه وبينه وبينها ما لا يعلم مداه إلا الله عز وجل، ولا يمكن
أن يقول قائل: إن سمع الله مثل سمعنا.
ثالثاً: نقول: نحن نعلم أن الله تعالى مباين للخلق بذاته:
} وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ{
[البقرة: 255]
} وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ{
[الزمر: 67]
ولا يمكن لأحد من الخلق أن يكون هكذا، فإذا كان مبايناً للخلق في ذاته،
فالصفات تابعة للذات، فيكون أيضاً مبايناً للخلق في صفاته عز وجل
ولا يمكن التماثل بين الخالق والمخلوق.
رابعاً: نقول: إننا نشاهد في المخلوقات أشياء تتفق في الأسماء وتختلف
في المسميات، يختلف الناس في صفاتهم: هذا قوي البصر وهذا ضعيف،
وهذا قوي السمع وهذا ضعيف، هذا قوي البدن وهذا ضعيف وهذا ذكر
وهذا أنثى.... وهكذا التباين في المخلوقات التي من جنس واحد، فما بالك
بالمخلوقات المختلفة الأجناس؟ فالتباين بينها أظهر ولهذا، لا يمكن لأحد
أن يقول: إن لي يداً كيد الجمل، أو لي يداً كيد الذرة، أو لي يداً كيد الهر،
فعندنا الآن إنسان, وجمل, وذرة, وهر، كل واحد له يد مختلفة عن الثاني،
مع أنها متفقة في الاسم فنقول: إذا جاز التفاوت بين المسميات
في المخلوقات مع اتفاق الاسم فجوازه بين الخالق والمخلوق ليس جائزاً
فقط بل هو واجب؛ فعندنا أربعة وجوه عقلية كلها تدل على أن الخالق
لا يمكن أن يماثل المخلوق بأي حال من الأحوال.
ربما نقول أيضاً هناك دليل فطري، وذلك لأن الإنسان بفطرته بدون
أن يلقن يعرف الفرق بين الخالق والمخلوق ولولا هذه الفطرة
؛ ما ذهب يدعو الخالق.
فتبين الآن أن التمثيل منتفٍ سمعاً, وعقلاً, وفطرة.
فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا بأحاديث تشتبه علينا؛
هل هي تمثيل أو غير تمثيل؟ ونحن نضعها بين أيديكم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر
لا تضامون في رؤيته )
فقال: (كما) والكاف للتشبيه، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ونحن من قاعدتنا أن نؤمن بما قال الرسول كما نؤمن بما قال الله؛
فأجيبوا عن هذا الحديث؟
نقول نجيب عن هذا الحديث وعن غيره بجوابين:
الجواب الأول مجمل والثاني مفصل.
فالأول المجمل:
أنه لا يمكن أن يقع تعارض بين كلام الله وكلام رسوله الذي صح عنه
أبداً؛ لأن الكل حق، والحق لا يتعارض, والكل من عند الله، وما عند الله
تعالى لا يتناقض
} وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ
لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {
[النساء: 82]
فإن وقع ما يوهم التعارض في همك؛ فاعلم أن هذا ليس بحسب النص،
ولكن باعتبار ما عندك؛ فأنت إذا وقع التعارض عندك في نصوص الكتاب
والسنة؛ فإما لقلة العلم، وإما لقصور الفهم، وإما للتقصير في البحث
والتدبر، ولو بحثت وتدبرت؛ لوجدت أن التعارض الذي توهمته لا أصل
له، وإما لسوء القصد والنية؛ بحيث تستعرض ما ظاهره التعارض لطلب
التعارض، فتحرم التوفيق؛ كأهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه.
ويتفرع على هذا الجواب المجمل أنه يجب عليك عند الاشتباه أن ترد
المشتبه إلى المحكم؛ لأن هذه الطريق طريق الراسخين في العلم؛
قال الله تعالى:
} هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ
هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ
زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ
آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ {
[آل عمران: 7]
ويحملون المتشابه على المحكم حتى يبقى النص كله محكماً.
وأما الجواب المفصل؛ فإنا نجيب
عن كل نص بعينه فنقول:
إن قول النبي صلى الله عليه وسلم:
( إنكم سترون ربكم كما ترون القمر
ليلة البدر لا تضامون في رؤيته )؛
ليس تشبيهاً للمرئي بالمرئي، ولكنه تشبيه للرؤية بالرؤية؛
(سترون.. كما ترون )الكاف في:
((كما ترون)): داخلة على مصدر مؤول؛ لأن (ما)
مصدرية، وتقدير الكلام: كرؤيتكم القمر ليلة البدر وحينئذ يكون التشبيه
للرؤية بالرؤية, لا المرئي بالمرئي، والمراد أنكم ترونه رؤية واضحة
كما ترون القمر ليلة البدر ولهذا أعقبه بقوله:
( لا تضامون في رؤيته )
أو:
( لا تضارون في رؤيته )