اليقين الاستدلالي واليقين الشهودي :
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى }
الحقيقة سيدنا إبراهيم عليه السلام مؤمن، ومؤمن إلى درجة اليقين،
ولكن اليقين أنواع؛ نوع استدلالي ونوع شهودي، أنت إنْ رأيتَ دخاناً
وراء جدار، تقول: لا دخان بلا نار، أنت متأَكِّدٌ من وجود النار خلف
الجدار، هذا يقين استدلالي، فإذا وقفت في الطرف الآخر من الجدار،
ورأيت النار بعينك، هذا يقين شهودي، فسيدنا إبراهيم متيقنٌ يقيناً
استدلالياً، لكنه الآن يريد اليقين الشهودي..
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ
قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }
بأن هذا النبي الكريم من شدة محبّته لله، أراد أن يرى أثر فعل الله
عز وجل،وكأنه تمنَّى أن يرى عظمة الله من خلال هذه الآية، وليس شاكّاً
في قدرة الله، ولا في علم الله،ولا في حكمة الله، ولكنه تطلَّع إلى أن يرى
{ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ
قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }
أي كي أنتقل من يقينِ الاستدلال إلى يقين المعاينة، من يقين الاستدلال
معجزة النبي عليه الصلاة والسلام
معجزةٌ مستمرةٌ إلى يوم القيامة :
{ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ }
{ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً }
طاووس، ودجاجة، وما إلى ذلك، أربعة أنواع من الطيور، قطعها قطعاً
قطعاً، وجعل علىكل قمة جبل بعض هذه القطع، قال:
{ ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
فلما دعاهن، تراكبت هذه الأعضاء، والتحم بعضها ببعض، وسرن إليه
خاضعين لأمر الله عز وجل. مرة ثانية هذه المعجزات وقعت مرة واحدة،
ولن تقع مرة ثانية، شبَّهها بعض علماء التوحيد كعود الثقاب تألق مرة
واحدة ثم انطفأ، فأصبح خبراً يصدقه مَن يصدقه، ويكذّبه مَن يكذّبه، ولكن
أي مؤمن يقرأ كلام الله عز وجل يؤمنُ إيماناً راسخاً أن هذا الخرق قد
وقع، وهناك مَن يكذِّب بهذا لأنه ما عرف الله عز وجل، وأنّ أمره إذا أراد
شيئاً أن يقول له كن فيكون، رأى أن هذا غير مألوف عادةً فأنكره، ولكن
الشيء الذي كرمنا الله به هو: أن معجزة النبي عليه الصلاة والسلام
معجزةٌ مستمرةٌ إلى يوم القيامة، فهذا الكتاب بين أيدينا، فيه آيات كثيرة
لا يمكن أن تفسَّر إلا بحالةٍ واحدة؛ أنها آيات من عند الله.
في الآيات التالية إشارة إلى إعجاز القرآن الكريم :
مَن هذا الذي صعد إلى الفضاء الخارجي،
وضاق نفسه؟ الله جلّ جلاله أخبرنا:
{ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ }
بعد أن ركب الإنسان الطائرة، لو أن طائرة تركبها، وجهاز ضخ الهواء
فيها تعطل، هبط الضغط إلى الثمن، عندئذٍ يخرج الدم من أنف الإنسان
ويختل ضغطه، ويشعر بضيقٍ لا يحتمل، الطائرات التي نركبها الآن
مضغوطة ثماني أضعاف، ليكون الضغط على ارتفاع أربعين ألف قدم
مساوياً للضغط على الأرض، لو أن جهاز الضغط تعطل، لأحسَّ الركاب
بضيقٍ في نَفَسهم لا يحتمل، هذا عرفناه الآن بعد اختراع الطائرة، لكن
كيف جاء ذكره في القرآن الكريم؟ قال العليم الخبير:
{ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ }
بعد أن اخترعنا أشعة الليزر، وقسنا غور فلسطين رأيناه أعمق نقطة في
الأرض، وذلك منذ عشرين سنة أو عشر سنوات، لكن حينما
{ غُلِبَتْ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون*
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ }
المعركة تمت في غور فلسطين:
{ غُلِبَتْ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ }
هذا أيضاً إشارة إلى إعجاز هذا القرآن الكريم.
{ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى*مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى }
الآن عرف العلماء أنه في اللقاء الزوجي يخرج من الرجل خمسمئة
مليون حوين، وحوينٌ واحدٌفقط يدخل إلى البويضة فيلقّحها، فاقرأ الآية:
{ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى*مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى }
نطفة واحدة، والمعنى الثاني: أن الذي يحدِّد الذكر والأنثى ليست البويضة
ولكنها النطفة،وهذا من إعجاز القرآن العلمي.
{ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }
إن كلمة (كل) تفيد الإبهام الشمولي، أي كل شيء في الكون داخل في
كلمة (كل)،والآن ثبت أن كل شيء في الكون يتحرك، حتى هذه الطاولة،
حتى الحديد، حتى الحجر، أي شيء تقع عينك عليه في الكون مؤلف من
ذرات ونواة ومسارات وكهارب، تدور كما تدور الكواكب حول
مجراتها، فنظام الذرة كنظام المجرة، وهذه أيضاً آية من آيات الله
الإعجازية.قبل بضعة أشهر، موقع معلوماتي يمثل أعظم محطة فضاءٍ
في العالم، وفيها مرصد عملاق اسمه (هبل)،التقط صورةً لنجمٍ يبعد عنا
ثلاثة آلاف سنة ضوئية، بينما أقرب نجم ملتهب إلى الأرض يبعد عنا أربع
سنوات ضوئية، ونحتاج إلى أن نصل إلى هذا الكوكب إلى خمسين مليون
سنة، أما هذا النجم اسمه (عين القِط) يبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية،
انفجر هذا النجم، والتقطت صورة انفجاره، لونظرت إلى الصورة لرأيت
وردة جورية حمراء داكنة، ذات أوراق خضراء زاهية، في الوسط كأسٌ
أزرق اللون، لا تتردد ثانية واحدة في أن هذه الصورة صورة وردة،
{ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }
لو قرأت كل التفاسير لا تجد تفسيراً يشفي غليلك،
أما هذه الصورة فهي تفسير هذه الآية.