و كيف لا ولا حول للإنسان ولا قوة إلا بالله عز وجل ؟ وهو سبحانه
المحرك الحقيقي لهذا الكون، وهو المعطي والمانع، ومنه الصحة
والمرض ، و منه القوة والضعف، والغنى والفقر .
إن الإسلام شرط النجاة عند الله عز وجل ، و الإسلام لا يقوم ولا يكون
إلا بالعلم، فلا طريق إلى معرفة الله تعالى والوصول إليه إلا بالعلم، فهو
الذي يدل على الله سبحانه من أقرب طريق، فمن سلك طريقه ولم يعوج
عنه بلغ الغاية المنشودة، فلا عجب إذن أن يجعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم طلب العلم طريق الجنة، ويبين أن كل طريق يسلكه
المسلم يطلب فيه العلم يشق به طريقاً سالكة توصله إلى الجنة:
( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً
سهل الله له به طريقاً إلى الجنة )
وليس أدل على ما نقول من أن الله تعالى جعل فاتحة الوحي إلى رسوله
صلى الله عليه وسلم أمراً بالعلم وبوسائل العلم، وتنبيهاً إلى نعمة العلم
وشرفه وأهميته في التعرف على عظمة الخالق جل وعلا وإدراك أسرار
الخلق، وإشارة إلى حقائق علمية ثابتة،
{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ اإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ *
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }
7- حكم طلب العلم في الإسلام :
يتوجب على كل مسلم طلبه، وهو ما لابد لكل مسلم من معرفته:
لتسلم عقيدته ، وتصح عبادته وتستقيم معاملته على وفق شرع الله
عز وجل . وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم:
( طلبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم )
رواه ابن ماجه. أي: ذكراً كان أو أنثى .
يتوجب على المسلمين بمجموعهم تحصيله، فإذا قام به بعضهم سقط
الطلب عن الباقين، وإن لم يقم به أحد أثم الجميع، وهو التوسع في علوم
الشريعة درساً وحفظاً وبحثاً، والتخصص في كل علم تحتاج إليه الجماعة
المسلمة من علوم كونية، لتحفظ كيانها، وتقيم دعائم دولة الحق
والعدل على الأرض قوية متينة، مهيبة الجانب .
وإنما يرث العلم النبوي العلماء العاملون المخلصون :
( إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم )
فهم علائم الحق ومنارات الهدى التي تهتدي بها الأمة في مسالك حياتها،
وتقتدي بهم وتسير وراءهم في شدائدها وأزماتها .فما دام العلم باقياً في
الأمة فالناس في هدى وخير، وحضارة ورقي، واستقامة وعدل . وإنما
يبقى العلم ببقاء حَمَلَته العلماء، فإذا ذهب العلماء وفُقِدوا من بين ظهرانَي
الناس اختلت الأمور، وانحرفت الأمة عن الجادة القويمة، وسلكت مسالك
الضلال، وانحدرت في مهاوي الرذيلة والفساد، وألقت بنفسها إلى الضياع والدمار.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذيقول:
( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد،
ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً
اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ، فسئلوا، فأفتوا بغير علم،
8- التحذير من ترك العمل بالعلم :
علمنا أن العلماء هم منار الهدى في الأمة ، فإذا فقدوا ضلت الأمة طريقها
السوي، والأشد سوءاً من فقد العلماء أن ينحرف هؤلاء عن الطريق التي
أمرهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بسلوكها ، فلا يعلموا
بعلمهم الذي ورثوه عن الجناب النبوي، فيخالف فعلهم قولهم ،
ويكونوا قدوة سيئة للأمة في معصية الله عز وجل وترك طاعته .
( لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه،
وعن علمه فيم عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه،
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح .
لقد حث الإسلام على تعلم العلم وتعليمه،
{ فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ }
وقال صلى الله عليه وسلم :
( نضر الله امرئ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه
فرب مبلَّغ أوعى من سامع )
وخير عمل يقوم به المسلم وينمو له أجره وثوابه عند ربه حتى بعد
موته: أن يعلم الناس العلم الذي أكرمه الله تعالى به ومَنَّ عليه بتحصيله.
قال عليه الصلاة والسلام :
( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية،
أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له )
10- الإخلاص في طلب العلم وترك المباهاة والمباراة به :
على طالب العلم والعالم أن يخلص في طلبه وعلمه لله تعالى، ولا يقصد
من ذلك إلا حفظ دينه وتعليمه للناس ونفعهم به، فلا يكون غرضه من تعلم
العلم وتعليمه نيل منصب أو مال أو سمعة أو جاه، أو ليقال عنه إنه عالم
أو ليتعالى بعلمه على خلق الله عز وجل، ويجادل به أقرانه و يباريهم ،
فكل ذلك مذموم يحبط عمله ، ويوقعه في سخط الله تبارك و تعالى .
( من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء،
ويصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار )
" لا أدري" نصف العلم : من علائم الإخلاص في طلب العلم وتعليمه أن
لا يأنف طالب العلم من أن يقول: لا أدري، فيما لا علم له به، وكثيراً ما
كان العلماء يسأل أحدهم عن عديد من المسائل، فيجيب عن بعضها بما
يعلم، ويجيب عن أكثرها بلا أدري، حتى قيل: لا أدري نصف العلم،
لأنها علامة على أن قائلها متثبت مما يقول .
إن ذكر الله عز وجل من أعظم العبادات، وذلك أن ذكر الله عز وجل يحمل
الإنسان على التزام شرعه في كل شأن من شؤونه، ويشعره برقابة الله
تعالى عليه فيكون له رقيب من نفسه، فيستقيم سلوكه ويصلح حاله مع
الله تعالى ومع الخلق، ولذا أُمِر المسلم بذكر الله تبارك تعالى في كل أحيانه وأحواله،
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا }
أي صباحاً ومساءً ، والمراد : في كل الأوقات .
خير ذكر كتاب الله تعالى : وخير ما يذكر به الله عز وجل كلامه المنزل
على المصطفى صلى الله عليه وسلم لما فيه-إلى جانب الذكر- من بيان
لشرع الله تعالى، وما يجب على المسلم التزامه ، وما ينبغي عليه اجتنابه
وخير الأماكن لذكر الله عز وجل وتلاوة القرآن وتعلم العلم إنما هي
المساجد بيوت الله سبحانه، يعمرها في أرضه المؤمنون، وعمارتها
الحقيقية إنما تكون بالعلم والذكر إلى جانب العبادة من صلاة واعتكاف ونحوها،