عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-17-2014, 09:35 PM
adnan adnan غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 13,481
افتراضي

لا يتناهون: لا ينهى بعضهم بعضاً إذا رآه على المنكر .
والأحاديث في هذا كثيرة، منها :
ما أخرج أبو داود: عن أبي بكر رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( ما من قوم يُعْمَل فيهم بالمعاصي ، ثم يقدرون على أن يغيروا
ثم لا يغيروا، إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب ).
تصحيح لفهم خاطئ :
يخطئ الكثير من المسلمين حين يرغبون في تبرير انهزامهم وتقصيرهم
في إنكار المنكر، فيحتجون بقوله تعالى
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }
[المائدة: 105].
على أن الآية نفسها توجب القيام بإنكار المنكر إذا فُهِمت الفهمَ الصحيح،
فقد روى أبو داود وغيره
عن أبي بكر رضي الله عنه قال:
يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها
{ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }
وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه
أوشك الله أن يعمهم بعقاب )
قال النووي رحمه الله في (( شرح مسلم )) :
المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية : إنكم إذا فعلتم ما كُلِّفتم
به فلا يضركم تقصير غيركم، فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب ، فلا عتب بعد ذلك على الناهي أو
الآمر، لكونه أدى ما عليه ، فإنما عليه الأمر والنهي، لا القبول، والله أعلم
ترك الإنكار خشية وقوع مفسدة :
إذا كان المكلف قادراً على إنكار المنكر الذي رآه أو علمه، لكنه غلب على
ظنه أن تحدث نتيجة إنكاره مفسدة ويترتب عليه شر، هو أكبر من المنكر
الذي أنكره أو غيره ، فإنه في هذه الحالة يسقط وجوب الإنكار، عملاً
بالأصل الفقهي : يُرَتَكَبُ أَخَفُّ الضررين تفادياً لأشدهما .على أنه ينبغي
أن يتنبه هنا إلى أن الذي يسقط وجوب الإنكار غالبية الظن ، لا الوهم
والاحتمال الذي قد يتذرع به الكثير من المسلمين، ليبرروا لأنفسهم ترك
هذا الواجب العظيم من شرع الله عز وجل .ذهب العلماء إلى القول بوجوب
الأمر والنهي حتى لمن علم أنه لا يقبل، ليكون في هذا معذرة للمسلم
الآمر الناهي، ولأن المطلوب منه هو الإنكار لا القبول ،
لأن الله تعالى يقول:
{ فذكِّرْ إنما أنتَ مذكر }
[الغاشية: 21]
ويقول :
{ إنْ عليكَ إلا البلاغ }
[الشورى: 48] .
وفي ذلك رد صريح على أولئك الذين يجبنون عن الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، ويريدون أن يصدوا غَيرهم عن القيام بواجبه، فيقولون:
لا تُتْعِب نفسك، ودع الأمور، لا فائدة من الكلام، وربما احتجوا خاطئين
بقوله تعالى:
{ إنك لا تهدي من أحببت }
[القصص: 56].
ويغيب عن ذهنهم أنها نزلت في شأن أبي طالب، الذي مازال رسول الله
صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، ويأمره بالمعروف وينهاه عن
المنكر، حتى لَفَظَ الأنفاس الأخيرة وهو على شركه، فنزلت الآية تواسي
النبي صلى الله عليه وسلم لحزنه على عمه الذي دافع عنه وناصره،
مبينة له: أنه لا يستطيع أن يجعل الهداية في قلب من أحب،
لا أنها تنهاه عن الأمر والنهي.
قول الحق دون خوف أو رهبة :
على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر دون أن يلتفت إلى شأن
من يأمره أو ينهاه، من منصب أو جاه أو غنى، ودون أن يلتفت إلى لوم
الناس وعبثهم و تخذيلهم ، ودون أن يأبه بما قد يناله من أذى مادي أو
معنوي يقدر على تحمله ويدخل في طاقته ، على أن يستعمل الحكمة في
ذلك ، ويخاطب كُلاًّ بما يناسبه ، و يعطي كل موقف ما يلائمه .
أخرج الترمذي وابن ماجه ،
من حديث أبي سعيد رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبة :
( ألا لا يَمْنَعَنَّ رجلاً هيبةُ الناس أن يقول الحق إذا علمه )
أمر الأمراء ونهيهم :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الأمة ، كما أنه حق لها .
والأمة رئيس و مرؤوس ، فكما يجب على الأمراء أن يأمروا و ينهَوا
الرعية كذلك يجب على الأمة أن تأمر و تنهى أمراءها ،
قياماً بالواجب وأداءً للحق .
و رضي الله عن أبي بكر، إذ وقف عقب استخلافه ليضع المنهج
السوي الذي يستقيم عليه أمر الراعي والرعية ، فقال :
وُليِّت عليكم ولست بخيركم ، إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني ،
أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم .
يجب أن يكون تغيير المنكر بداية الدين .
قال عليه الصلاة والسلام:
( الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولكتابه
و لرسوله و لأئمة المسلمين وعامتهم )
رواه مسلم .
الغِلظة واللِّين في الأمر والنهي :
ينبغي أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحكمة ،
كما قال تعالى :
{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }
[النحل: 125] .
و تختلف الحكمة حسب حال المأمور والمنهي ، وما يؤمر به أو ينهى
عنه ، وما يكون أنفع وأبلغ في الزجر ، فتارة ينبغي استعمال اللين
في القول والمجاملة والمداراة ، وتارة لا تصلح إلا القسوة و الغلظة .
و لذلك كان من يأمر و ينهى لا بد فيه من صفات ، أهمها : الرفق،
و الحلم ، و العدل ، والعلم .كرامة لا ذلة : ليس فيما ينال المسلم من أذى
في سبيل أمره ونهيه ذلة أو مهانة ، و إنما هي عزة و شرف و رفعة في
الدنيا والآخرة ، و شهادة في سبيل الله عز وجل ، بل أعظم شهادة .
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر )
. رواه أبو داود والترمذي .
يجب على المسلم أن ينكر المنكر إذا كان ظاهراً وشاهَدَهُ ورآه،
دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :
( من رأى منكم منكراً )
. فإذا داخله ريبة وشك في منكر خفي مستور عنه، فإنه لا يتعرض له
ولا يفتش عنه، لأن هذا النوع هو من التجسس المنهي عنه. ويقوم مقام
الرؤية علمه بالمنكر، وتحققه عن وقوعه ومعرفة موضعه ، كما إذا
أخبره ثقة بذلك، أو كانت هنالك قرائن تجعل الظن غالباً بوجود المنكر،
ففي هذه الحالة يجب عليه الإنكار بالطريقة المناسبة التي تكفل القضاء
على المنكر، واستئصال جذور الشر والفساد من المجتمعات .
لا إنكار لما اختُلِفَ فيه :
لقد قرر العلماء أن الإنكار يكون لفعلٍ ما أجمع المسلمون على تحريمه،
أو ترك ما أجمعوا على وجوبه، كشرب الخمر والتعامل بالربا وسفور النساء
ونحو ذلك، أو ترك الصلاة أو الجهاد ونحو ذلك أيضاً .أما ما
اختلف العلماء في تحريمه أو وجوبه فلا ينكر على فعله أو تركه، شريطة
أن يكون هذا الاختلاف ممن يعتد بهم من العلماء، وأن يكون ناشئاً عن
دليل .عموم المسؤولية وخصوصها : إن الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر واجب الأمة جمعاء، فكل مسلم علم بالمنكر وقدر على إنكاره وجب
عليه ذلك على الوجه الذي علمت ، لا فرق في ذلك بين حاكم ومحكوم، أو
عالم وعامي . و لكن هذه المسؤولية تتأكد على صنفين من الناس
وهما: العلماء والأمراء .
أما العلماء : فلأنهم يعرفون من شرع الله تعالى ما لا يعرفه غيرهم من
الأمة، ولما لهم من هيبة في النفوس واحترام في القلوب، مما يجعل
أمرهم ونهيهم أقرب إلى الامتثال وأدعى إلى القبول .
والخطر الكبير عندما يتساهل علماء الأمة بهذه الأمانة التي وضعها الله
تعالى في أعناقهم، روى أبو داود والترمذي واللفظ له،
عن ابن مسعود رضي الله عنه
قال :رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا
فجالسوهم في مجالسهم ، و وأكلوهم و شاربوهم ، فضرب الله
قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم،
ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ".
فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً، فقال :
" لا والذي نفسي بيده، حتى تأطروهم على الحق أطراً )
. أي تحملوهم عليه وتحبسوهم و تعطفوهم و تردوهم إليه .
وأما الأمراء : أي الحكام، فإن مسؤوليتهم أعظم، وخطرهم إن قصروا في
الأمر والنهي أكبر، لأن الحكام لهم ولاية وسلطان، ولديهم قدرة على تنفيذ
ما يأمرون به و ينهَون عنه وحمل الناس على الامتثال ، و لا يخشى من
إنكارهم مفسدة ، لأن القوة والسلاح في أيديهم و الناس ما زالوا يحسبون
حساباً لأمر الحاكم و نهيه .
فإذا قصر الحاكم في الأمر والنهي طمع أهل المعاصي والفجور ، ونشطوا
لنشر الشر والفساد، دون أن يراعوا حرمة أو يقدسوا شرعاً ، ولذا كان
من الصفات الأساسية للحاكم الذي يتولى الله تأييده و نصرته ، ويثبت
ملكه و يسدد خطته ، أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .
فإذا أهمل الحكام هذا الواجب العظيم فقد خانوا الأمانة التي وضعها الله
تعالى في أعناقهم، وضيعوا الرعية التي استرعاهم الله تعالى عليها .
من آداب الآمر والناهي :
أن يكون ممتثلاً لما يأمر به، مجتنباً لما ينهى عنه، حتى يكون لأمره
ونهيه أثر في نفس من يأمره وينهاه، ويكون لفعله قبول عند الله
عز وجل، فلا يكون تصرفه حجة عليه توقعه في نار جهنم يوم القيامة .
النية والقصد في الأمر والنهي :
ينبغي أن يكون الحامل على الأمر والنهي هو ابتغاء رضوان الله تعالى
وامتثال أمره ، لا حب الشهرة والعلو وغير ذلك من الأغراض الدنيوية .
فالمؤمن يأمر وينهى غضباً لله تعالى إذا انتهكت محارمه ، و نصيحة
للمسلمين ورحمة بهم إذا رأى منهم ما يُعَرِّضهم لغضب الله عز وجل
وعقوبته في الدنيا والآخرة ، و إنقاذاً لهم من شر الويلات والمصائب
عندما ينغمسون في المخالفات و ينقادون للأهواء والشهوات . يبتغي
من وراء ذلك كله الأجر والمثوبة عند الله سبحانه ، و يقي نفسه من
أن يناله عذاب جهنم إن هو قصر في أداء الواجب ، و ترك الأمر و النهي
العبودية الحقة : قد يكون الباعث لدى المؤمن على الأمر والنهي إجلاله
البالغ لعظمة الله سبحانه ، وشعوره أنه أهل لأن يطاع فلا يعصى، وأن
يُذكر فلا ينسى ، و يُشكر فلا يكفر . ويزكي ذلك في نفسه محبته الصادقة
لله عز و جل ، التي تمكنت من قلبه وسرت في آفاق روحه سريان الدم في
العروق ، و لذلك تجده يؤثر أن يستقيم الخلق ويلتزموا طاعة الحق ،
و أن يفتدي ذلك بكل غال ونفيس يملكه ، بل حتى ولو ناله الأذى وحصل
له الضرر ، يتقبل ذلك بصدر رحب ، و ربما تضرع إلى الله عز وجل أن
يغفر لمن أساء إليه و يهديه سواء السبيل . وهذه مرتبة لا يصل إليها
إلا من تحققت في نفسه العبودية الخالصة لله عز وجل، وانظر إليه
صلى الله عليه و سلم و قد آذاه قومه و ضربوه ، فجعل يمسح الدم
عن وجهه و يقول :
( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )

رد مع اقتباس