الصفات الأربع لأهل الجنّة
[5] الصفات الأربع لأهل الجنّة
ثم أخبر عن تقريب الجنة من المتقين ,
و أن أهلها اتصفوا بهذه الصفات الأربع :
أن يكون أوّاباً , أي رجّاعاً إلى الله من معصيته إلى طاعته ,
و من الغفلة عنه إلى ذكره .
الأوّاب الذي ينتظر ذنوبه ثم يستغفر منها
هو الذي إذا ذكر ذنبه في الخفاء استغفر منه .
هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب .
أن يكون حفيظا لما ائتمنه الله عليه و افترضه .
حافظ لما استودعه الله من حقّه و نعمته .
و لما كانت النفس لها قوّتان :
قوة الطلب و قوة الإمساك , كان الأواب مستعملا لقوة الطلب في
رجوعه إلى الله ومرضاته و طاعته . و الحفيظ مستعملا لقوة الحفظ
في الإمساك عن معاصيه و نواهيه .فالحفيظ الممسك نفسه عما حرم
عليه , و الأوّاب المقبل على الله بطاعته .
{ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ }
يتضمن الإقرار بوجوده وربوبيته و قدرته وعلمه و اطلاعه على تفاصيل
أحوال العبد . ويتضمن الإقرار برسله وكتبه و أمره و نهيه . و يتضمن
الإقرار بوعده ووعيده و لقائه , فلا تصح خشية الرحمن بالغيب
{ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ }
راجع عن معاصي الله, مقبل على طاعة الله . وحقيقة الإنابة عكوف القلب
على طاعة الله ومحبته والإقبال عليه.
ثم ذكر سبحانه جزاء من قامت به هذه الأوصاف بقوله:
{ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ*
لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ. }
ثم خوّفهم بأنه يصيبهم من الهلاك ما أصاب من قبلهم و أنهم كانوا أشد
منهم بطشا و لم يدفع عنهم الهلاك شدّة بطشهم , وأنهم عند الهلاك تقلّبوا
وطافوا في البلاد , و هل يجدون محيصا ومنجى من عذاب الله ؟.
حاص أعداء الله فوجدوا أمر الله لهم مدركاً .
طوّفوا و فتشوا فلم يروا محيصا عن الموت .
و حقيقة ذلك أنهم طلبوا المهرب من الموت فلم يجدوه .ثم أخبر سبحانه
{ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }
ثم أخبر أنه خلق السموات والأرض و ما بينهما في ستّة أيّام ولم يمسه
تعب ولا إعياء , وتكذيبا لأعدائه اليهود , حيث قالوا انه استراح في اليوم
السابع .ثم أمر نبيه بالتأسي به سبحانه و تعالى في الصبر على ما يقول
أعداؤه فيه, كما أنه سبحانه صبر على قول اليهود انه استراح :
( و لا أحد أصبر على أذى يسمعه منه )
جزء من حديث أخرجه البخاري في الأدب 10/527 رقم 6099,
و مسلم في صفات المنافقين 4/2160رقم 51 , وأحمد في المسند
4/ 395, 401,405 جميعا من حديث أبي موسى الأشعري .
ثم أمره بما يستعين به على الصبر و هو التسبيح بحمد ربه قبل طلوع
الشمس و قبل غروبها و بالليل وأدبار السجود . فقيل هو الوتر . و قيل :
الركعتان بعد المغرب . و الأول قول ابن عباس, و الثاني قول عمر وعلي
وأبو هريرة والحسن بن علي و إحدى الروايتين عن ابن عباس . و عن
ابن عباس رواية ثالثة أن التسبيح باللسان أدبار الصلوات المكتوبات .
ثم ختم السورة بذكر المعاد , ونداء المنادي برجوع الأرواح إلى أجسادها
للحشر . و أخبر أن هذا النداء من مكان قريب يسمعه كل أحد:
{ يَوْم يَسْمَعُونَ الصَّيْحَة بِالْحَقِّ }
{ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ }
كما تشقق عن النبات , فيخرجون : {سراعا} من غير مهلة و لا بطء :
ذلك حشر يسير عليه سبحانه.ثم أخبر سبحانه وتعالى أنه عالم بما يقول
أعداؤه , و ذلك يتضمّن مجازاته لهم بقولهم إذا لم يخف عليه , وهو
سبحانه يذكر علمه و قدرته لتحقيق الجزاء .ثم أخبره أنه ليس بمسلط
عليهم ولا قهّار و لم يبعث ليجبرهم على الإسلام و يكرههم عليه, وأمره
أن يذكر بكلامه من يخاف وعيده فهو الذي ينتفع بالتذكير, و أما من لا
يؤمن بلقائه ولا يخاف وعيده و لا يرجو ثوابه , فلا ينتفع بالتذكير .