لما سلم آدم أصل العبودية لم يقدح فيه الذنب:
( ابن آدم , لة لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني
لا تشرك بي شيئا, لقيتك بقرابه مغفرة )
أخرجه مسلم في الذكر والدعاء 4\2068 (22) عن أبي ذر. وابن ماجه
الترمذي وأحمد , و قراب الأرض هو ما يقارب ملأها, بكسر القاف .
لما علم السيد أن ذنب عبده لم يكن قصدا لمخالفته ولا قدحا في حكمته,
{ فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ }
العبد لا يريد بمعصيته مخالفة سيده ولا الجرأة على محارمه , و لكن
غلبات الطبع , و تزيين النفس والشيطان , و قهر الهوى , و الثقة بالعفو
, و رجاء المغفرة , هذا من جانب العبد .
وأما من جانب الربوبية فجريان الحكم , و إظهار عز الربوبية وذل
العبودية وكمال الاحتياج , و ظهور آثار الأسماء الحسنى : كالعفو
و الغفور و التوّاب و الحليم , لمن جاء تائبا نادما , و المنتقم والعدل
و ذي البطش الشديد لمن أصر و لزم المعرّة (الإثم والجناية) .
فهو سبحانه يريد أن يري عبده تفرده بالكمال, ونقص العبد وحاجته إليه .
و يشهده كمال قدرته وعزته, وكمال مغفرته وعفوه ورحمته , و كمال
بره و ستره , و حلمه و تجاوزه و صفحه , و أن رحمته به إحسان إليه
لا معارضة , و أنه إن لم يتغمّده برحمته وفضله فانه هالك لا محالة,
* لما ورد في الحديث الذي أخرجه البخاري في المرض 10\109,
( لن يدخل أحد منكم عمله الجنة , قالوا ولا أنت
قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته )
كم في تقدير الذنب من حكمة , وكم فيه مع تحقيق التوبة للعبد من
مصلحة و رحمة . التوبة من الذنب كشرب الدواء للعليل , و رب علة
لعل عتبك محمود عواقبه و ربما صحت الأجساد بالعلل
لولا تقدير الذنب لهلك ابن آدم من العجب .
ذنب يذل به أحب إليه من طاعة يدل بها عليه .
شمعة النصر إنما تنزل من شمعدان الانكسار .
لا يكرم العبد نفسه بمثل اهانتها , و لا يعزها بمثل ذلها , و لا يريحها بمثل
سأتعب نفسي أو أصادف راحة فان هوان النفس في كرم النفس
ولا يشبعها بمثل جوعها, وات يؤمنها بمثل خوفها, ولا يؤنسها بمثل
وحشتها من كل ما سوى بارئها وفاطرها و لا يميتها بمثل إماتتها ,
موت النفوس حياتها من شاء أن يحيا يمت
شراب الهوى حلو و لكنه يورث الشرق(الغصة من الحلق) , منم تذكر
خنق الفخ هان عليه هجران الحبة .يا معرقلا في شرك الهوىّ جمزة
(العدو السريع)! عزم وقد خرقت الشبكة .
لا بد من نفوذ القدر فاجنح للسلم . له ملك السموات للأرض , و
استقراض منك حبة فبخلت بها , و خلق سبعة أبحر و أحب منها
دمعة فقحطت عينيك بها .إطلاق البصر ينفش في القلب صورة المنظور ,
و القلب كعبة , و المعبود لا يرضى بمزاحمة الأصنام .
لذات الدنيا كسوداء و قد غلبت عليك , و الحور العين يعجبن من سوء
اختيارك عليهن , غير أن زوبعة الهوى إذا ثارت سفت في عين البصيرة
سبحان الله , تزينت الجنة للخطّاب فجدوا في تحصيل المهر, و تعرّف رب
العزة إلى المحبين بأسمائه وصفاته فعملوا على اللقاء
لا مكن من لسواك منه قلبه و لك اللسان مع الوداد الكاذب
المعرفة بساط لا يطأ عليه إلا مقرب , و المحبة نشيد لا يطرب عليه إلا
محب مغرم .الحب غدير في صحراء ليست بها جادة , فلهذا قل وارده .
المحب يهرب إلى العزلة و الخلوة بمحبوبه والأنس بذكره كهرب الحوت
إلى الماء والطفل إلى أمه .
و أخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك القلب بالسر خاليا
ليس للعابد مستراح إلا تحت شجرة طوبى , و لا للمحب قرار إلا يوم
المزيد . اشتغل به في الحياة يكفك ما بعد الموت .يا منفقا بضاعة العمر
في مخالفة حبيبه والبعد منه, ليس في أعدائك أضر عليك منه .
ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه
الهمة العليّة من استعد صاحبه للقاء الحبيب , و قدم التقادم بين يدي
الملتقى , فاستبشر عند القدوم :
{ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }
تالله ما عدا عليك العدو إلا بعد أن تولى عنك الولي , فلا تظن أن الشيطان
غلب , و لكن الحافظ أعرض .احذر نفسك , فما أصابك بلاء قط إلا منها ,
ولا تهادنها فوالله ما أكرمها من لم يهنها , و لا أعزها من لم يذلها , و لا
جبرها من لم يكسرها , و لا أراحها من لم يتعبها, ولا أمنها من لم يخوفها
سبحان الله , ظاهرك متجمل بلباس التقوى , و باطنك باطية (إناء) لخمر
الهوى , فكلما طيبت الثوب فاحت رائحة المسكر من تحته , فتباعد منك
الصادقون , و انحاز إليك الفاسقون .
يدخل عليك لص الهوى و أنت في زاوية التعبد فلا يرى منك طردا له, فلا
يزال بك حتى يخرجك من المسجد .أصدق في الطلب وقد جاءتك النعونة .
علمني المحبة , فقال : المحبة لا تجيء بالتعليم .
هو الشوق مدلولا على مقتل الفتى إذا لم يعد صبا بلقيا حبيبه
ليس العجب من قوله يحبونه, إنما العجب من قوله يحبهم .
ليس العجب من فقير مسكين يحب محسنا إليه ,
إنما العجب من محسن يحب فقيرا مسكينا .