هجر سماعه و الايمان به و الاصغاء اليه.
هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه, وان قرأه وآمن به.
هجر تحكيمه والتحاكم اليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه
لا يفيد اليقين,, وأن أدلته لفظية لا تحصّل العلم.
هجر تدبّره وتفهّمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
هجر الاستشفاء و التداوي في جميع أمراض القلوب وأدوائها, فيطلب
شفاء دائه من غيره, ويهجر التداوي به, زكل هذا داخل في قوله :
{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا }
وان كان بعض الهجر أهون من بعض.وكذلك الحرج الذي في الصدر منه.
فانه تارّة يكون حرجا من انزاله وكونه حقا من عند الله.وتارة يكون من
جهة المتكلم به, أو كونه مخلوقا من بعض مخلوقاته ألهم غيره أن تكلم
به.وتارة يكون من جهة كفايتها وعدمها وأنه لايكفي العباد, با هم
محتاجون معه الى المعقولات والأقيسة, أو الآراء أو السياسات.
وتارة يكون من جهة دلالته, وما أريد به حقائقه المفهومة منه عند
الخطاب, أو أريد بها تأويلها, واخراجها عن حقائقها الى تأويلات
مستكرهة مشتركة.وتارة يكون من جهة كون تلك الحقائق وان كانت
مرادة, فهي ثابتة في نفس الأمر, أو أوهم أنها مرادة لضرب من
المصلحة.فكل هؤلاء في صدورهم حرج من القرآن, وهم يعلمون ذلك من
نفوسهم ويجدونه في صدورهم. ولا تجد مبتدعا في دينه قط الا وفي قلبه
حرج من الآيات التي تخالف بدعته. كما أنك لا تجد ظالما فاجرا الا وفي
صدره حرج من الآيات التي تحول بينه وبين ارادته.تدبّر هذا المعنى
كمال النفس المطلوب ما تضمن أمرين:
أن يصير هيئة راسخة وصفة لازمة لها.
أن يكون صفة كمال في نفسه. فاذا لم يكن كذلك لم يكن كمالا, فلا يليق
بمن يسعى في كمال نفسه المنافسة عليه, ولا الأسف على فوته, وذلك
ليس الا معرفة بارئها وفاطرها ومعبودها والهها الحق الذي لا صلاح لها
ولا نعيم ولا لذة الا بمعرفته, وارادة وجهه, وسلوك الطريق الموصلة
اليه, والى رضاه وكرامته. وأن تعتاد ذلك فيصير لها هيئة راسخة لازمة.
وما عدا ذلك من العلوم والارادات والأعمال فهي بين ما لا ينفعها ولا
يكملها, وما يعود بضررها ونقصها وألمها, ولا سيما اذا صار هيئة
راسخة لها, فانها تتعذب وتألم به بحسب لزومه لها.
وأما الفضائل المنفصلة عنها كالملابس والمراكب والمساكن والجاه
والمال, فتلك في الحقيقة عوار أعيرتها مدة, ثم يرجع فيها المعير, فتتألم
وتتعذب برجوعه فيها بحسب تعلقها بها, ولا سيما اذا كانت هي في غاية
كمالها, فاذا سلبتها أحضرت أعظم النقص والألم والحسرة فليتدبر من
يريد سعادة نفسه ولذتها هذه النكتة, فأكثر هذا الخلق انما يسعون في
حرمان نفوسهم وألمها وألمها وحسرتها ونقصها من حيث يظنون
أنهم يريدون سعادتها ونعيمها.
فلذتها بحسب ما حصل لها من تلك المعرفة والمحبة والسلوك. وحسرتها
بحسب ما فاتها من ذلك. ومتى عدم ذلك. ومتى عدم ذلك, وخلا منه, لم
يبقى فيه الا القوى البدنية الفسانية, التي بها يأكل ويشرب, وينكح
ويغضب, وينال شائر لذاته, ومرافق حياته. ولا يلحقه من جهتها شرف
ولا فضيلة, بل خساسة ومنقصة. اذا كان انما يناسب بتلك القوى البهائم
ويتصل بجنسها ويدخل في جملتها ويصير كأحدها. وربما زادت في
تناولها عليها واختصت دونه بسلامة العاقبة, حقيق أن تهجره الى
الكمال الحقيقي الذي لا كمال سواه, وبالله التوفيق .
اذا أصبح العبد وأمسى وليس همه الله وحده تحمل الله سبحانه حوائجه
كلها, وحمل عنه كل ما أهمه, وفرغ قلبه لمحبته, ولسانه لذكره,
وجوارحه لطاعته. وان أصبح وأمسى والدنيا همه حمله الله همومها
وغمومها وأنكادها! ووكله الى نفسه, فشغل قلبه عن محبته بمحبة
الخلق, ولسانه عن ذكره بذكرهم, وجوارحه عن طاعته بخدمتهم
وأشغالهم, فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره, كالكير ينفخ بطنه
ويعصر أضلاعه في نفع غيره. فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته
ومحبته بل بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته.
{ و َمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا }.
الزخرف 36 لا تأتون بمثل مشهور للعرب الا جئتكم به من القرآن. فقال له قائل:
فأين في القرآن "أعط أخاك تمرة فان لم يقبل فأعطه جمرة؟"
{ و َمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا }.