البذل علة وجودنا في الدنيا :
{ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
﴿ أَنْفُسَهُمْ ﴾ من هو الإنسان؟ هو نفسه التي بين جنبيه، جسمه وعاء له،
وروحه قوة إمداد إلهية تحركه، فالروح قوة الإمداد الإلهية، والجسم
وعاء لنفسه، ونفسه ذاته، ونفسه هي المؤمنة، هي غير المؤمنة، هي
الصادقة، هي الكاذبة، هي التي ترقى، هي التي لا ترقى.
{ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ }
النفس بطاقتها، بوقتها، بجهدها، ببذلها، بتضحيتها، بالمتاعب التي قد
تتحملها، بالهموم التي تنصب عليها، هذا كله من خصائص النفس، وقد
يبذل الإنسان نفسه في سبيل الله، فهذه النفس المؤمن باعها لله عز وجل،
كل شيء يملك هو مال، فمالك هو النقد الذي بين يديك، ومالك وقتك،
ومالك جاهك، ومالك مكانتك، هذه كلها داخلة لأن هذا لك، تملكه أنت،
فهناك من يبذل من ماله، ومن جاهه، ومن وقته، ومن علمه، فلابد من
البذل، بل إن علة وجودنا في الدنيا البذل، والدليل أن
الذي يأتيه ملك الموت يقول:
{ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً }
كأن العمل الصالح بعد الإيمان بالله، هو علة وجودك، لأن حجمك عند
الله بحجم عملك الصالح، ولأن العمل الصالح ثمن الجنة، من هنا كان
المؤمن موفقاً وسعيداً، لأنه عرف سر وجوده.
العبادة علة وجود الإنسان في الحياة الدنيا :
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
العبادة، العبادة هي الطاعة، والعبادة أن تستسلم لمنهج الله عز وجل،
والعبادة أن تكون مع الله، أن تطيعه، وأن تتقرب إليه، وأن تسعد بقربه
في الدنيا والآخرة، أن تطيعه فيما أمر، وأن تنتهي عما نهى عنه وزجر،
وأن تتقرب إليه بالأعمال الصالحة، وأن تتجه إليه محباً ومخلصاً،هذه
العبادة، والإنسان إذا عبد الله شعر بالتوازن، وهناك شيء اسمه في علم
النفس متعة الإنجاز، فأنت حينما تعرف سر وجودك، وغاية وجودك،
وتتحرك وفق هذا الهدف الذي رسمه الله لك، تشعر بطمأنينة، وراحة
نفسية لا يعرفها إلا من ذاقها، أنت حينما تتحرك وفق الهدف الذي خلقت
له، أو وفق سر وجودك، ووفق غاية وجودك، تشعر بطمأنينة،وراحة
نفسية لا تقدر بثمن، حينما تستيقظ صباحاً
كما ورد في بعض الأحاديث النبوية:
( من أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت
عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له، ومن أصبح وأكبر
همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله،
{ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ }
وهبهم أنفسهم، ثم اشتراها منهم، وهبهم أموالهم، ثم قال: أقرضوني
بعض هذا المال، أقرضني يا عبدي، هذه المعاني إذا ذاقها المؤمن ذاب
محبة لله عز وجل، اشترى، ما الثمن؟ الثمن شيء لا يوصف قال:
{ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ }
قد يخطر في بال الإنسان بأن لهم أولاداً نجباء، بأن لهم حياة مديدة
بأن لهم صحة فريدة، هذا كله زائل. أخوتنا الكرام، الدنيا بكل ما فيها،
من مباهج، من متع، من مسرات، من أموال، من جاه،من سلطان،
لا تتناسب مع كرم الله عز وجل، لماذا؟ لأن كل هذا العطاء في الدنيا
ينتهي عند الموت، وعطاء الله ينبغي أن يكون أبدياً سرمدياً، الدنيا
مهما تفوقت فيها، بعلمك، أو عملك،أو مكانتك، أو وسامتك، أو صحتك،
أو زواجك، أو أولادك، كل ما فيها من مباهج، ومن مسرات، لا تتناسب
مع كرم الله عز وجل، لماذا؟ لأن هذه الدنيا تنتهي بالموت،لكن عطاء الله
الذي يليق بكرمه ينبغي أن يكون أبدياً.
من سقط من عين الله ضيع مكانته وهيبته :
لذلك أنا أقول: المؤمن العطاء الإلهي له على شكل خط بياني صاعد
صعوداً مستمراً، وما الموت إلا نقطة على هذا الخط الصاعد، والصعود
بعد الموت مستمر، هذا العطاء أيلغى بشهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً؟
ألا يا رب شهوة ساعة، أورثت حزناً طويلاً
شهوة ساعة، زلة قدم، ضيعت مكانتك عند الله، لأن الإنسان إذا عصى
الله عز وجل سقط من عينه، لو أن شيئاً سقط من السماء إلى الأرض
يتحطم على سطح الأرض، يتكسر، فكيف إذا سقط الإنسان من عين الله
عز وجل؟ قد تكون فقيراً وأنت عند الله كبير، وقد تكون ضعيفاً وأنت
عند الله كبير، وقد تكون مرهقاً وأنت عند الله كبير، وقد تكون متعباً وأنت
عند الله كبير، ولكن إذا سقط الإنسان من عين الله انتهى كل شيء.
{ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ }
إنسان سأل عارفاً بالله، قال له: يا سيدي كم الزكاة؟ فهذا العارف أراد
أن يعطيه درساً لطيفاً، قال له: عندنا أم عندكم؟ قال له: عجيب ما عندنا؟
وما عندكم؟ قال له: عندكم اثنان ونصف بالمئة، أما عندنا فالعبد