إن التوحيد هو إفراد الله جل وعلا بالتعبد في جميع أنواع العبادات وهذا
هو تحقيق كلمة لا إله إلا الله ولا تصح إلا بالمتابعة وهي شهادة أن محمداً
رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذي عليه أهل السنة والجماعة أن أول
كما حكى عنهم ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال:
( إن السلف والأئمة متفقون على أن أول ما يؤمر به العباد الشهادتان،
ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقب البلوغ ) اهـ.
والأدلة على أن أول الواجبات هو عبادة الله بما شرع
يمكن تلخيصها في أربعة أدلة عامة:
هو أن جميع الرسل دعوا إلى توحيد الله جلا وعلا وإخلاص العبادة له
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ }
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }
ولقد وردت آيات كثيرة تبين أن آحاد الرسل يأتون قومهم فيقولون لهم:
{ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ. }
ويتضح هذا الدليل بالعلم بأمرين وهما:
إن الأصل في بني آدم التوحيد وكان ذلك مدة عشرة قرون بين آدم ونوح
عليهما السلام، فقد كانوا على التوحيد ثم نشأ فيهم الشرك – ثم إن الأصل
في بني آدم: الإقرار بالله.
معرفة الشرك الذي وقعوا فيه وهو الشرك في الألوهية.فإذا علم الأمران،
وهما: أن الأصل في بني آدم توحيد الله بعبادته، وأن الشرك الذي وقعوا
فيه هو الشرك في العبادة لا إنكار وجود الله وتفرده بالخلق والرزق، علم
أن الرسل جاءوا بدعوة الناس إلى عبادة الله وحده وترك عبادة غيره،
فيعلم من هذا أن أول واجب على المكلف هو توحيد الله بعبادته وحده
لا شريك له خاصة وأن الأدلة دالة على أن كل مولود يولد على الفطرة.
فيبقى بعد ذلك أن من لم يقر بوجود الله عليه أن يقر أولاً ليتوصل بإقراره
هذا إلى عبادة الله فيكون وجوب إقراره وسيلة لواجب مقصود وهو إفراد
الله بالعبادة، إذ الإقرار وحده لا يكفي.
إن الغاية من خلق الإنسان هي العبادة. كما قال الله جل وعلا:
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
فقد بين الله جل وعلا أنه خلق الناس لهذه الغاية وهي عبادته، وبين
سبحانه أنه فطر الناس على الإقرار به ولذلك فإنه أول ما يأمرهم يأمرهم
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
وهو كما قال أبو المظفر بن السمعاني:
تواترت الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الكفار
ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم
لمعاذ رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن:
( فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله
( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم
عند بيعة الرجال والنساء أول ما يبدأ به في البيعة قوله:
( بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً ) .
وهذا الإجماع حكاه ابن المنذر بقوله:
( أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن الكافر إذا قال: أشهد أن لا
إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأن كل ما جاء به محمد
حق، وأبرأ إلى الله من كل دين يخالف دين الإسلام، وهو بالغ صحيح
وقد ذكر أبو المظفر بن السمعاني أن القول بأن أول الواجبات هو النظر
قول مبتدع لم يكن معروفاً عند الصحابة ولا التابعين، إذ لو كان معروفاً
لنقلوه لنا لشدة اهتمامهم بهذا الدين، كيف والمدعى أنه أول الواجبات! –
وإنما المعروف أنهم كانوا يدعون إلى الإسلام، وهم الذين نقلوا طريقة
الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته، مما يدل على أن المستقر عندهم
هو أن أول شيء يدعى إليه الكافر هو الشهادتان – وهما أول واجب .
وقد حكى هذا الاتفاق شيخ الإسلام ابن تيمية كما تقدم النقل عنه
وحكاه كذلك تلميذه ابن القيم فقال:
( وأجمع المسلمون على أن الكافر إذا قال لا إله إلا الله
محمد رسول الله فقد دخل في الإسلام ) .
وهذا يدل على أنه أول الواجبات، ولو أتى بغير الشهادتين ما اعتبر ذلك.
ومن المعلوم أن الشهادة تتضمن الإقرار بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم
فكل من شهد لله تعالى بالألوهية فشهادته فرع إقراره بوجوده وربوبيته،
ولكن إذا وجد من لم يقر بالله لتغير فطرته فهذا يجب عليه النظر أولاً، لأنه
وسيلة لإقراره لله تعالى بالعبودية، فوجوب مثل هذه الحالة يعتبر من
وجوب الوسائل التي تؤدي إلى الغاية .
فإن المعرفة بوجود الله جل وعلا لا تكفي العبد، بل ولا حتى إيمانه بأن
الله هو الرب الخالق حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
قال الشيخ حافظ الحكمي-رحمه الله تعالى-
في شرح قوله في منظومة (سلم الوصول) :
وَهوَ الَّذي به الإله أرْسَـلا
رُسْلَهُ يَدْعُونَ إلَيْــهِ أولا
يقول: (وهو) أي توحيد الإلهية (الذي به الإله) عز وجل (أرسل رسله)
من أولهم إلى آخرهم (يدعون إليه أولا) قبل كل أمر يدعو إلى شيء قبله,
فهم وإن اختلفت شرائعهم في تحديد بعض العبادات والحلال والحرام لم
يختلفوا في الأصل الذي هو إفراد الله سبحانه بتلك العبادات افترقت
أو اتفقت, لا يشرك معه فيها غيره.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( نحن معاشر الأنبياء أولاد علات, ديننا واحد )
وقد أخبر الله عز وجل عن اتفاق دعوة رسله إجمالاً وتفصيلاً
{ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالذِّي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
وَمَا وَصَيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه }
وهؤلاء هم أولو العزم من الرسل: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا
محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك بقية الرسل,
{ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يَعْبُدُون }
{ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُون }
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أَمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت }
{ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ
وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ
وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ
وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ
وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا
رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا }
وفي الصحيح عن المغيرة رضي الله عنه قال:
( قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: لو رأيت رجلاً
مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فبلغ ذلك النبي
صلى الله عليه وسلم فقال: تعجبون من غيرة سعد,
والله لأنا أغير منه, والله أغير مني, ومن أجل غيرة الله
حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولا أحد أحب إليه
العذر من الله, ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين.
ولا أحد أحب إليه المدحة من الله, ومن أجل ذلك
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله
مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم }
{ وَإِلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله
مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُون }
{ إِلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قُوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه }
{ وَإِلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه }
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ
فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ
قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ
فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }
وهذا في مقام مناظرته عليه الصلاة والسلام لعباد الكواكب على سبيل
الاستدراج أو التوبيخ ليبين لهم سخافتهم وجهلهم وضعف عقولهم في
عبادتهم هذه الكواكب المخلوقة لحكمة الله عز وجل المسخرة بقدرته
وغفلتهم عن خالقها ومسخرها والمتصرف فيها وتركهم عبادته أو
إشراكهم معه فيها غيره عز وجل فلما أقام عليهم الحجة:
{ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ
لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ
إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ
وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا
فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }
أي الَّذِينَ آمَنُواْ يعني صدقوا ووحدوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم أي شرك
إذ هو الظلم الذي لا يغفره الله عز وجل, وفي الصحيح:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }
قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أينا لم يظلم نفسه؟
{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم }
فالذين آمنوا الإيمان التام الذي لم تشبه شوائب الشرك الأكبر المنافي
لجميعه, ولا الشرك الأصغر المنافي لكماله, ولا معاصي الله المحبطة
ثمراته من الطاعات, فأولئك لهم الأمن التام من خزي الدنيا وعذاب
الآخرة, والاهتداء التام في الدنيا والآخرة. وبحسب ما ينقص من الإيمان
ينقص من الأمن والاهتداء, وباجتناب المعاصي يحصل تمامها
{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء
إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ
إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ
قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ
قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ
قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ
وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ
فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ
قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ
قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ
قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ
قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ
فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ
أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ }
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ
قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ
أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ
قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي
إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ
وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ }
{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ
فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ }
{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا
إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّ
يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا }
فبين لأبيه أن آلهته لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع ولا تقدر على
جلب خير ولا دفع شر ولا تغني عنه شيئا. فتبين بذلك أن عبادة مثل هذا
جهل وضلال. ثم بين له أن عنده دواء ذلك الداء, والهدى من ذلك الضلال
{ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيا }
وبين أن فعله ذلك عبادة للشيطان, موجب لعذاب الرحمن وولاية الشيطان, عياذا بالله من ذلك.
{ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ
إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا
إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا
فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ
إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }
وقال تعالى عن يوسف عليه السلام:
{ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ
مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ
ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم
مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ }
الآيات وغيرها. وكذلك قص الله تعالى علينا عن جميع الرسل من نوح إلى
{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ
وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ
فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ
وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ
قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى
قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا
فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ
وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ
وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ
وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ
وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }
الآيات. ولو ذهبنا نذكر قصص الرسل ومحاورتهم مع قومهم وعواقب
ذلك لطال الفصل. وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته في قومه
وصبره على أذاهم وما جرى له معهم فأجلى من الشمس في نحر
الظهيرة, والقرآن كله من فاتحته إلى خاتمته في شأن ذلك