أسباب الوقوع في الإبتداع و التحزب ( 2 )
أسباب الوقوع في الابتداع والتحزب
السبب الثاني: البغي والظلم :
إن من موجب الاختلاف بين المسلمين البغي وهو الذي وقع فيه أهل الكتاب
{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ }
{ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ }
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
والبغي إما تضييع للحق وإما تعد للحد، فهو إما ترك واجب
وإما فعل محرم، فعلم أن موجب التفرق هو ذلك
وقال وهو يتحدث عن الاختلاف الناجم عن البغي:
وهذا حال أهل الاختلاف المذموم من أهل الأهواء كلهم لا يختلفون
إلا من بعد أن يظهر لهم الحق ويجيئهم العلم فيبغي بعضهم على بعض
ثم المختلفون المذمومون كل منهم يبغي على الآخر فيكذب بما معه من
الحق مع علمه أنه حق، ويصدق بما مع نفسه من الباطل مع العلم أنه
باطل، وهؤلاء كلهم مذمومون، ولهذا كان أهل الاختلاف المطلق كلهم
مذمومين في الكتاب والسنة، فإنه ما منهم إلا من خالف حقا واتبع باطلا
وقال أيضا في "مجموع الفتاوى" 1/14-15:
وهذا كما قال تعالى عن أهل الكتاب
{ وَمِنْ الَّذِينَ قالوا إنا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ
فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }
فأخبر أن نسيانهم حظا مما ذكروا به – وهو ترك العمل ببعض ما أمروا
به – كان سببا لإغراء العداوة والبغضاء بينهم، وهكذا هو الواقع
في أهل ملتنا مثلما نجده بين الطوائف المتنازعة في أصول دينها
وكثير من فروعه من أهل الأصول والفروع
وقد ظهر بذلك أن المفترقين المختلفين من الأمة إنما ذلك بتركهم بعض
الحق الذي بعث الله به نبيه، وأخذهم باطلا يخالفه واشتراكهم في باطل
يخالف ما جاء به الرسول وهو من جنس مخالفة الكفار للمؤمنين... فإذا
اشتركوا في باطل خالفوا به المؤمنين المتبعين للرسل نسوا حظا مما
ذكروا به فألقى بينهم العداوة والبغضاء واختلفوا فيما بينهم في حق آخر
جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فآمن هؤلاء ببعضه وكفروا ببعضه
والآخرون يؤمنون بما كفر به هؤلاء ويكفرون بما يؤمن به هؤلاء وهنا
كلا الطائفتين المختلفتين المتفرقتين مذمومة وهذا شأن عامة الافتراق
والاختلاف في هذه الأمة وغيرها
وكذلك جعل الله مصدره أي : الاختلاف البغي... لأن البغي مجاوزة الحد
وذكر هذا في غير موضع من القرآن ليكون عبرة لهذه الأمة ...
{ و َحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }