أسباب الوقوع في الإبتداع و التحزب ( 6 )
أسباب الوقوع في الابتداع والتحزب كثيرة وسأذكر بعضا منها:
السبب السادس: الأخذ ببعض الحق وترك بعضه:
متى أخذ المسلمون ببعض الحق وتركوا البعض الآخر ألقى الله بينهم
{ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ
فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }
تركوا العمل عمدا. وقال الله في اليهود بعد أن ذكر أنه حرم عليهم سفك
دماء بعضهم بعضا ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم فلم يلتزموا بذلك
{ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ
إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ
وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة
فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }
وقد حذرنا الله من هذا الذي وقع فيه اليهود والنصارى فقال:
{ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ }
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ولا تقع الفتنة إلا من ترك ما أمر الله به فإنه سبحانه أمر بالحق
وأمر بالصبر فالفتنة إما من ترك الحق وإما من ترك الصبر
فإن اتباع الإنسان لما يهواه هو أخذ القول والفعل الذي يحبه ورد القول
والفعل الذي يبغضه بلا هدى من الله... ولهذا كان السلف يسمون أهل
البدع والتفرق المخالفين للكتاب والسنة أهل أهواء حيث قبلوا ما
أحبوه وردوا ما أبغضوه بأهوائهم بغير هدى من الله
وإنما جماع الشر تفريط في حق أو تعد إلى باطل وهو تقصير في السنة
أو دخول في البدعة كترك بعض المأمور وفعل بعض المحظور أو تكذيب
الحق وتصديق بباطل، ولهذا عامة ما يؤتى الناس من هذين الوجهين،
فالمنتسبون إلى أهل الحديث والسنة والجماعة يحصل من بعضهم كما
ذكرت تفريط في معرفة النصوص أو فهم معناها أو القيام بما تستحقه
من الحجة ودفع معارضها فهذا عجز وتفريط في الحق وقد يحصل منهم
دخول في باطل إما في بدعة ابتدعها أهل البدع وافقوهم عليها واحتاجوا
إلى إثبات لوازمها وإما في بدعة ابتدعوها هم لظنهم أنها من تمام السنة
كما أصاب الناس في مسألة كلام الله وغير ذلك من صفاته
وقال العلامة ابن الوزير رحمه الله تعالى:
فإن قيل فمن أين جاء الاختلاف الشديد؟ فاعلم أن منشأ معظم البدع يرجع
إلى أمرين واضح بطلانهما فتأمل ذلك بإنصاف وشد عليه يديك ، وهذان
الأمران الباطلان هما: الزيادة في الدين بإثبات ما لم يذكره الله تعالى
ورسله عليهم السلام من مهمات الدين الواجبة. والنقص منه بنفي
بعض ما ذكره الله تعالى ورسله من ذلك بالتأويل الباطل