وفد بني عامر وقصة عامر بن الطفيل
البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله
وقدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وفد بني عامر بن الطفيل،
وأربد بن مقيس بن جزء بن جعفر بن خالد، وجبار بن سلمى بن مالك
بن جعفر، وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم، وقدم عامر بن
الطفيل عدو الله على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يريد الغدر به،
وقد قال له قومه: يا أبا عامر إنَّ النَّاس قد أسلموا فأسلم.قال: والله لقد
كنت آليت ألا أنتهي حتَّى تتبع العرب عقبي، فأنا أتبع عقب هذا الفتى
من قريش؟ثم قال لأربد: إن قدمنا على الرجل فإني سأشغل عنك وجهه
فإذا فعلت ذلك، فأعله بالسيف، فلما قدموا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
قال عامر بن الطفيل: يا محمد خالني.
( لا والله حتَّى تؤمن بالله وحده ).
قال: يا محمد خالني.قال: وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به،
فجعل أربد لا يحير شيئاً، فلما رأى عامر ما يصنع أربد قال: يا محم
( لا حتَّى تؤمن بالله وحده لا شريك له ).
فلما أبى عليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.قال: أما والله لأملأنها
عليك خيلاً ورجالاً.فلما ولى
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
( اللهم اكفني عامر بن الطفيل ).
فلما خرجوا من عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.قال عامر بن الطفيل
لأربد: أين ما كنت أمرتك به؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجل أخوف
على نفسي منك، وأيم الله لا أخافك بعد اليوم أبداً.قال: لا أبالك، لا تعجل
علي والله ما هممت بالذي أمرتني به إلا دَخَلْتَ بيني وبين الرجل، حتَّى
ما أرى غيرك، أفأضربك بالسيف؟وخرجوا راجعين إلى بلادهم، حتَّى إذا
كانوا ببعض الطريق، بعث الله عز وجل على عامر بن الطفيل الطاعون
في عنقه فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول، فجعل يقول: يا بني عامر
أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني سلول؟
ويقال: أغدة كغدة الإبل، وموت في بيت سلولية.
وروى الحافظ البيهقي من طريق الزبير بن بكار حدثتني فاطمة بنت
عبد العزيز بن موءلة عن أبيها، عن جدها موءلة بن جميل قال:
أتى عامر بن الطفيل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال له:
فقال: أسلم على أن لي الوبر ولك المدر.
فقال: أسلم على أن لي الوبر، ولك المدر.
فولى وهو يقول: والله يا محمد لأملأنها عليك خيلاً جرداً، ورجالاً مرداً،
ولأربطن بكل نخلة فرساً.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
( اللهم اكفني عامراً، واهد قومه ).
فخرج حتَّى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة من قومه يقال لها: سلولية
فنزل عن فرسه ونام في بيتها، فأخذته غدة في حلقه، فوثب على فرسه،
وأخذ رمحه، وأقبل يجول وهو يقول: غدة كغدة البكر، وموت في بيت
سلولية، فلم تزل تلك حاله حتَّى سقط عن فرسه ميتاً.
وذكر الحافظ أبو عمر ابن عبد البر في
(الإستيعاب في أسماء الصحابة) موءلة هذا فقال:
هو موءلة بن كثيف الضبابي الكلابي العامري من بني عامر بن صعصعة
أتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو ابن عشرين سنة، فأسلم وعاش
في الإسلام مائة سنة، وكان يدعى ذا اللِّسانين من فصاحته، روى عنه
ابنه عبد العزيز، وهو الذي روى قصة عامر بن الطفيل: غدة كغدة البعير،
حدثتني ظميا بنت عبد العزيز بن موءلة بن كثيف بن جميل بن خالد بن
عمرو بن معاوية، وهو الضباب بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة
قالت: حدثني أبي عن أبيه، عن موءلة أنه أتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فأسلم وهو ابن عشرين سنة، وبايع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
ومسح يمينه، وساق إبله إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فصدقها
بنت لبون، ثم صحب أبا هريرة بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم،
وعاش في الإسلام مائة سنة، وكان يسمى ذا اللِّسانين من فصاحته.
قلت: والظاهر أن قصة عامر بن الطفيل متقدمة على الفتح، وإن كان
ابن إسحاق والبيهقي، قد ذكراها بعد الفتح، وذلك لما رواه الحافظ
البيهقي عن الحاكم، عن الأصم، أنبأنا محمد بن إسحاق، أنبأنا معاوية
بن عمرو، ثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعيّ، عن إسحاق بن
عبد الله ابن أبي طلحة، عن أنس في قصة بئر معونة، وقتل عامر
بن الطفيل حرام بن ملحان خال أنس بن مالك وغدره بأصحاب بئر
معونة، حتَّى قتلوا عن آخرهم سوى عمرو بن أمية كما تقدم.
قال يحيى: فمكث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو على
عامر بن الطفيل ثلاثين صباحاً:
( اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت، وابعث عليه ما يقتله ).
فبعث الله عليه الطاعون.
وروي عن همام، عن إسحاق ابن عبد الله، عن أنس في قصة ابن ملحان
قال: وكان عامر بن الطفيل قد أتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال:
أخيرك بين ثلاث خصال، يكون لك أهل السهل، ويكون لي أهل الوبر،
وأكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر، وألف شقراء.
قال: فطعن في بيت امرأة.فقال: غدة كغدة البعير، وموت في بيت امرأة
من بني فلان، إئتوني بفرسي فركب فمات على ظهر فرسه.
ثم خرج أصحابه حين رأوه، حتَّى قدموا أرض بني عامر شاتين،
فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا: وما وراءك يا أربد؟قال: لا شيء، والله
لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت لو أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتَّى
أقتله الآن، فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يبيعه، فأرسل
الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما.
وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمه، فقال لبيد يبكي أربد:
مـا أنْ تعـدِّي المنـون مـن أَحَـدٍ لا والــــدٍ مُـشْـفِــقٍ ولاiiولـــــدِ