من كتاب الفوائد لأبن القيم يرحمه الله
و قابلهم الفريق الثاني فقالوا : قد ذم الله سبحانه و تعالى جمال الصور ,
{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ }
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِئْياً }
هو الصور تفسير ابن كثير 3\134.
عن النبي صلى الله عليه وسلم :
( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم
وإنما ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم )
كتاب البر و الصلة 4\1986.
قالوا : و معلوم أنه لم ينف نظر الإدراك , و إنما نفى نظر المحبة قالوا :
و قد حرّم علينا لباس الحرير و الذهب و آنية الذهب و الفضة , و ذلك من
أعظم جمال الدنيا , و قال :
{ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
النهاية في غريب الحديث 1\110 .
و قد ذم الله المسرفين . و السرف كما يكون في الطعام
الجمال في الصورة و اللباس و الهيئة ثلاثة أنواع : منه ما يحمد , و منه
ما يذم , و منه ما لا يتعلق به مدح و لا ذم . فالمحمود منه ما كان لله ,
و أعان على طاعة الله, و تنفيذ أوامره , و الاستجابة له, كما كان النبي
صلى الله عليه و سلم يتجمّل للوفود . وهو نظير آلة الحرب للقتال و لباس
الحرير في الحرب و الخيلاء فيه . فان ذلك محمود إذا تضمّن إعلاء كلمة
الله, و نصر دينه , وغيظ عدوّه . و المذموم منه ما كان للدنيا والرئاسة
و الفخر والخيلاء و التوسل إلى الشهوات , و أن يكون هو غاية العبد
و أقصى مطلبه . فان كثيرا من النفوس ليس لها همّة في سوى ذلك
و أما ما لا يحمد و لا يذم فهو ما خلا عن هذين القصدين ,
و تجرّد عن الوصفين ..والمقصود أن هذا الحديث الشريف مشتمل على
أصلين عظيمين: فأوله معرفة , و آخره سلوك . فيعرف الله سبحانه
بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء , و يعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال
و الأعمال و الأخلاق . فيحب من عبده أن يحمل لسانه بالصدق , وقلبه
بالإخلاص و المحبة و الإنابة و التوكل , و جوارحه بالطاعة , و بدنه
بإظهار نعمه عليه في لباسه , و تطهيره له من الأنجاس والأحداث
و الأوساخ والشعور المكروهة و الختان وتقليم الأظافر, فيعرفه
بصفات الجمال الذي هو وصفه, و يعبده بالجمال الذي هو شرعه
ودينه, فجمع الحديث قاعدتين : المعرفة و السلوك .
ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه في جميع أموره مع صدق العزيمة ,
فيصدقه في عزمه و في فعله ,
{ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ }
فسعادته في صدق العزيمة و صدق الفعل , فصدق العزيمة جمعها
وجزمها وعدم التردد فيها بل تكون عزيمة لا يشوبها تردد و لا تلوّم .
فإذا صدقت عزيمته بقي عليه صدق الفعل , و هو استفراغ الوسع
و بذل الجهد فيه , و أن لا يتخلّف عنه بشيء من ظاهره و باطنه ,
فعزيمة القصد تمنعه من ضعف الإرادة و الهمّة , و صدق الفعل يمنعه
من الكسل و الفتور . و من صدق الله في جميع أموره صنع الله له
فوق ما يصنع لغيره . و هذا الصدق معنى يلتئم من صحّة الإخلاص
و صدق التوكّل , فأصدق الناس من صحّ إخلاصه و توكّله .