وسائل معينة على دفع شر الحاسد
الوسائل المعينة على دفع شر الحاسد عن المحسود
ذكر ابن القيم عشرة أسباب تدفع شر الحاسد عن المحسود
1- التعوذ بالله تعالى من شره، واللجوء والتحصن به، والله تعالى
سميع لاستعاذته، عليم بما يستعيذ منه،
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ
وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }
2- تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيه؛ فمن اتَّقى الله تولى الله حفظه،
{ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا }
وقال النبي صلى الله عليه وسلم
لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
( احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك )
رواه الترمذي ، وأحمد. من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
صححه الترمذي، وحسنه ابن رجب فمن حفظ الله،
حفظه الله ووجده أمامه أينما توجه، ومن كان الله حافظه وأمامه،
3- الصبر على عدوه، وألا يقاتله، ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه
أصلًا، فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه والتوكل على الله،
ولا يستطل تأخيره وبغيه، فإنه كلما بغى عليه، كان بغيه جندًا وقوة
للمبغي عليه المحسود، يقاتل به الباغي نفسه وهو لا يشعر، فبغيه سهام
{ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ }
فإذا كان الله قد ضمن له النصر مع أنه قد استوفى حقَّه أولًا، فكيف بمن لم
{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }
والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق
وظلمهم وعدوانهم، فإنَّ الله حسبه أي كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه
فلا مطمع فيه لعدوه، ولا يضرُّه إلا أذى لا بد منه، كالحرِّ والبرد والجوع
والعطش، وأما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبدًا، وفرق بين
الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء له؛ وهو في الحقيقة إحسان إليه وإضرار
بنفسه، وبين الضرر الذي يتشفى به منه.
5- فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله
كلما خطرله، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه، ولا
يجعل قلبه معمورًا بالفكر في حاسده، والباغي عليه، والطريق إلى الانتقام
منه، فهذا التفكير مما لا يتسع له إلا قلب خراب، لم تسكن فيه محبة الله،
وإجلاله وطلب مرضاته، وهذا العلاج من أنفع الأدوية، وأقوى الأسباب
6- الإقبال على الله والإخلاص له، وجعل محبته وترضيه والإنابة إليه
في محل خواطر نفسه وأمانيها، تدب فيها دبيب الخواطر شيئًا فشيئًا،
حتى يقهرها، ويغمرها، ويذهبها بالكلية، فتبقى خواطره، وهواجسه،
وأمانيه كلها في محابِّ الرب، والتقرب إليه، وتملقه، وترضيه،
7- تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه،
{ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }
وقال لصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم:
{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا
قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ }
فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه، وما لا يعلمه
العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها، وما ينساه مما علمه وعمله
8- الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإنَّ لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء،
ودفع العين وشرِّ الحاسد، فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على
محسن متصدق، وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملًا فيه باللطف
والمعونة والتأييد، وكانت له فيه العاقبة الحميدة.
9- إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى
وشرًّا وبغيًا وحسدًا، ازددت إليه إحسانًا، وله نصيحة، وعليه شفقة،
وهذا من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها، ولا يوفق له إلا
{ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ 34
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }
واعلم أنَّ لك ذنوبًا بينك وبين الله، تخاف عواقبها، وترجوه أن يعفو عنها،
ويغفرها لك، ويهبها لك. ومع هذا ينعم الله عليك، ويكرمك، ويجلب إليك
من المنافع والإحسان فوق ما تؤمِّله، فإذا كنت ترجو هذا من ربِّك أن
يقابل به إساءتك، فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه، وتقابل به
إساءتهم؛ ليعاملك الله هذه المعاملة؛ فإنَّ الجزاء من جنس العمل.
10- تجريد التوحيد والانتقال بالفكر إلى المسبب العزيز الحكيم، والعلم
بأنَّ الحسد لا يضرُّ ولا ينفع إلا بإذنه، فهو الذي يصرفها عنه وحده
{ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ
فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ }
وقال النبي صلى الله عليه وسلم
لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
( واعلم أنَّ الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك، لم ينفعوك
إلا بشيء كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك،
لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك )
رواه الترمذي ، وأحمد ، والطبراني والبيهقي
صححه الترمذي، وحسنه ابن رجب في وابن حجر ، وصححه ابن باز
فإذا أحسست -رحمك الله- من صديقك بالحسد، فأقلل ما استطعت
من مخالطته، فإنَّه أعون الأشياء لك على مسالمته، وحصن سرَّك
منه تسلم من شرِّه وعوائق ضرِّه، وإياك والرغبة في مشاورته،
ولا يغرنك خدع ملقه الملق: أن يعطي الرجل بلسانه ما ليس في قلبه.