هو إفراد الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الواردة في القرآن والسنة،
والإيمان بمعانيها وأحكامها
هذا معنى كلمة (التوحيد)، فأصل هذه الكلمة من (وحد) فيقال: وحد يوحد
توحيداً: أي جعله واحداً.ومادة (وحد) في اللغة مصدرها على انفراد
الشيء.فإذا قلت: توحيد الله بأسمائه: فالمعنى إفراد الله بأسمائه.
(بأسمائه): الاسم في اللغة: هو اللفظ الموضوع لمعنى تعييناً أو تمييزاً.
أو الاسم: ما دل على الذات وما قام بها من الصفات.
ومن أسماء الله تعالى: الله – الرحمن – الرحيم – الغفور – العزيز
– القدير – السميع – البصير – البارئ...
(الحسنى): هذا وصف لأسماء الله، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم.
1- المواضع التي ورد فيها:
ورد هذا الوصف لأسماء الله عز وجل في أربعة مواضع من
كتاب الله عز وجل، وهذه المواضع هي:
{ وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ
سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
{ قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى }
{ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى }
{ هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى }
حسنى على وزن (فعلى) تأنيث أفعل التفضيل، فحسنى تأنيث أحسن،
ككبرى تأنيث أكبر، وصغرى تأنيث أصغر، ولذلك يخطئ من يقول إنها
تأنيث حسن؛ لأن تأنيث (حسن) (حسنة)، ومن أجل ذلك لا يصح أن نقول:
إن أسماء الله حسنة، والصواب هو أن نقول: إن أسماء الله حسنى ما
معنى حسنى: المفضلة على الحسنة، أي البالغة في الحسن غايته.
وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى: لله أحسن الأسماء وأجلها لإنبائها عن أحسن
يجب الإيمان بهذا الوصف الذي أخبر الله به عن أسمائه وذلك بالاعتقاد
الجازم أن أسماء الله هي أحسن الأسماء, وأتمها, وأكملها معنى،
وفي هذا الوصف أحكام أخرى مستفادة ...
(وصفاته): الصفة هي: ما قام بالذات مما يميزها عن غيرها من أمور
ذاتية أو معنوية أو فعلية.
الذاتية: اليدان – الوجه – العينان – الأصابع.
المعنوية: العلم – القدرة – الحياة - الإرادة.
الفعلية: النزول – الاستواء – الخلق – الرزق.
{ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَللهِ المَثَلُ الأَعْلَى
وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }
{ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ
وَلَهُ المَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }
(الأعلى) صيغة أفعل التفضيل، أي أعلى من غيره .
قال القرطبي: وَللهِ المَثَلُ الأَعْلَى: أي الوصف الأعلى .
وَللهِ المَثَلُ الأَعْلَى وهو كل صفة كمال؛ وكل كمال في الوجود فالله
أحق به من غير أن يستلزم ذلك نقصاً بوجه .
يجب الإيمان بما أخبر الله به عن نفسه, وذلك بالاعتقاد الجازم بأن كل
ما أخبر الله به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من
الصفات هي صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، فهو سبحانه
المستحق للكمال المُطلق من جميع الوجوه.
المثل الأعلى يتضمن ثبوت الصفات العليا لله سبحانه، ووجودها العلمي،
والخبر عنها، وذكرها، وعبادة الرب سبحانه بها....
رابعاً: الواردة في القرآن والسنة
أي يجب الوقوف في أسماء الله وصفاته على ما جاءت به نصوص القرآن
والسنة لا نزيد على ذلك ولا ننقص منه.فلا نسمي أو نصف الله بما لم يسم
أو يصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وذلك لأنه لا طريق إلى معرفة أسماء الله وصفاته إلا من طريق واحد
هو طريق الخبر – أي الكتاب والسنة -.فلو قال شخص: لله سمع بلا أذنين.
وقال آخر: لله سمع بأذنين.
لحكمنا بخطأ الاثنين؛ لأنه لم يأت ذكر الأذنين في النصوص لا نفياً
ولا إثباتاً، والحق هو أن يقال: لله سمع يليق بجلاله كما جاءت بذلك
النصوص، وقد نهانا الله أن نتكلم بغير علم
{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ
كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }
وبالتالي لا يجوز الإثبات أو النفي إلا بالنص.
قال الإمام أحمد (ت 241) رحمه الله:
لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه, أو ووصفه به رسوله
صلى الله عليه وسلم, لا نتجاوز القرآن والسنة
وقال ابن عبد البر (ت 463) رحمه الله:
ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصاً في
كتاب الله، أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أجمعت عليه
الأمة، وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه
خامساً: والإيمان بمعانيها وأحكامها
أي الإيمان بما تضمنته من المعاني, وبما ترتب عليها من مقتضيات
وأحكام.وهذا ما جاء الأمر به والحث عليه في القرآن والسنة.
{ وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }
والشاهد من الآية قوله: (فادعوه بها).
أن الله يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها،
ويأخذوا بحظهم من عبوديتها، فالدعاء بها يتناول:
دعاء المسألة: كقولك: ربي ارزقني.
ودعاء الثناء: كقولك: سبحان الله.
ودعاء التعبد: كالركوع والسجود .
ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم:
( إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحد، من أحصاها دخل الجنة )
الشاهد من الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم:
أن معنى أحصاها: أي حفظها ألفاظاً، وفهم معانيها ومدلولاتها، وعمل
بمقتضياتها وأحكامها.فالعلم بأسماء الله وصفاته, واعتقاد تسمي الله
واتصافه بها هو من العبادة, وإدراك القلب لمعانيها، وما تضمنته من
الأحكام والمقتضيات، واستشعاره وتجاوبه لذلك بالقدر الذي يؤدي إلى
سلامة تفكيره واستقامة سلوكه، هو عبادة أيضاً.فأهل السنة يؤمنون
بما دلت عليه أسماء الله وصفاته من المعاني، وبما يترتب عليها من
مقتضيات وأحكام، بخلاف أهل الباطل الذين أنكروا ذلك وعطلوه.
فأهل السنة يؤمنون بأن كل اسم من أسماء الله يدل على معنى الذي
نسميه (الصفة), فلذلك كان لزاماً على من يؤمن بأسماء الله تعالى
أولاً: الإيمان بثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.
ثانياً: الإيمان بما دل عليه الاسم من المعنى أي (الصفة).
ثالثاً: الإيمان بما يتعلق به من الآثار والحكم والمقتضى.
اسم من أسماء الله الحسنى، فلابد من الإيمان به من:
1- إثبات اسم (السميع) باعتباره اسماً من أسماء الله الحسنى.
3- إثبات الحكم (أي الفعل) وهو أن الله يسمع السر والنجوى.
وإثبات المقتضى والأثر: وهو وجوب خشية الله, ومراقبته, وخوفه,
كل اسم من أسمائه عز وجل له تعبد مختص به علماً ومعرفة وحالاً:
علماً ومعرفة: أي إن من علم أن الله مسمى بهذا الاسم وعرف ما يتضمنه
من الصفة ثم اعتقد ذلك فهذه عبادة.وحالاً: أي إن لكل اسم من أسماء الله
مدلولاً خاصاً وتأثيراً معيناً في القلب والسلوك، فإذا أدرك القلب معنى
الاسم وما يتضمنه واستشعر ذلك، تجاوب مع هذه المعاني، وانعكست
هذه المعرفة على تفكيره وسلوكه.
وكذلك الشأن في صفات الله عز وجل، فلابد من الإيمان بمعانيها
وأحكامها، فهذه عقيدة أهل السنة، بخلاف عقيدة المعطلة الذين نفوا
ما دلت عليه تلك الصفات من المعاني، وتلاعبوا بتلك المعاني فحرفوها
وبدلوها.فأهل السنة يرون أنه لزاماً على من أراد إثبات الصفات والإيمان
بأنها صفات كمال تثبت لله حقيقة
1- إثبات تلك الصفة فلا يعاملها بالنفي والإنكار.
2- أن لا يتعدى بها اسمها الخاص الذي سماها الله به، بل يحترم الاسم
كما يحترم الصفة، فلا يعطل الصفة ولا يغير اسمها ويعيرها اسماً آخر،
كما تسمي المعطلة سمعه وبصره وكلامه (أعراضاً).
ويسمون وجهه ويديه وقدمه (جوارح وأبعاضاً).
ويسمون علوه على خلقه واستواءه على عرشه (تحيزاً).
3- عدم تشبيهها بما للمخلوق، فإن الله سبحانه (ليس كمثله شيء)
لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
4- اليأس من إدراك كنهها وكيفياتها، فالعقل قد يئس من تعرف كنه
الصفة وكيفيتها، فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله، وهذا معنى قول أهل السنة:
(بلا كيف): أي بلا كيف يعقله البشر، فإن من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته
كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته؟ ولا يقدح في الإيمان بها، ومعرفة
معانيها، فالكيفية وراء ذلك .
5- تحقيق المقتضى والأثر لتلك الصفات، فلكل صفة عبودية خاصة هي
من موجباتها ومقتضياتها – أعني من موجبات العلم بها, والتحقق
بمعرفتها – فعلم العبد بتفرد الرب بالخلق, والرزق, والإحياء, والإماتة،
يثمر له عبودية (التوكل).وعلم العبد بجلال الله وعظمته وعزه، يثمر له
الخضوع, والاستكانة, والمحبة