يعرفون ربهم بصفاته الواردة في القرآن والسنة، ويصفونربهم بما
وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ولايحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسمائه وآياته، ويثبتون
لله ماأثبته لنفسه من غير تمثيل، ولا تكييف ولا تعطيل، ولا تحريف،
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}
{ وَلِلَّهِالأسماء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيأَسْمَائِهِ
سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
لا يحددون كيفية صفات الله – جل وعلا – لأنه تباركوتعالى لم يخبر
عن الكيفية، ولأنه لا أحد أعلم من الله سبحانه بنفسه،
{قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ}
{فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ }
ولا أحد أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي قال
{وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى }
يؤمنون أن الله – سبحانه وتعالى – هو الأول ليس قبلهشيء، والآخر
الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذيليس
{ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
وكما أن ذاته - سبحانه وتعالى - لا تشبه الذوات، فكذلك صفاته لا تشبه
الصفات؛ لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفء له ولا ند له، ولا يقاس
بخلقه؛فيثبتون لله ما أثبته لنفسه إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل؛
فحينيثبتون لله ما أثبته لنفسه لا يمثلون، وإذا نزهوه لا يعطلون
الصفات التيوصف نفسه بها، وأنه تعالى محيط بكل شيء، وخالق
{ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}
{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }
ويؤمنون بأن الله تعالى استوى على العرش فوق سبع سموات بائن من
خلقه، أحاطبكل شيء علماً، كما أخبر عن نفسه في كتابه العزيز في سبع
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }
{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}
{أَأَمِنتُممَّنْ فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ
أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًافَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ}
{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }
{ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ}
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
( ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟)
يؤمنون بأن الكرسي والعرش حق قال تعالى
{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }
والعرش لا يقدر قدره إلا الله، والكرسي في العرش كحلقة ملقاة في فلاة
وسعالسماوات والأرض، والله مستغن عن العرش والكرسي، ولم يستو
على العرشلاحتياجه إليه؛ بل لحكمة يعلمها، وهو منزه عن أن يحتاج
إلى العرش أو مادونه، فشأن الله تبارك وتعالى أعظم من ذلك؛ بل العرش
والكرسي محمولانبقدرته وسلطانه وأن الله تعالى خلق آدم – عليه السلام
– بيديه، وأن كلتايديه يمين ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء
{وَقَالَتِالْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْبِمَا قَالُواْ
بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء }
{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}
وأهل السنة والجماعة: يثبتون لله سمعاً، وبصراً، وعلماً، وقدرة، وقوة،
وعزاً، وكلاماً وحياة، وقدماً وساقاً، ويداً، ومعية وغيرها من صفاته –
عزوجل – التي وصف بها نفسه في كتابه العزيز، وعلى لسان نبيه
صلى الله عليهوعلى آله وسلم بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها؛ لأنه تعالى
{ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}
{ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }
{ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا }
{ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ }
{ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }
{ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }
{ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ }
{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ }
{ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }
{ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ }
وغيرها من آيات الصفات وأهل السنة والجماعة:
يؤمنون بأن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم، ويزورونه،
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }
وسوف يرونه كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته،
كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
( إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته )
وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل نزولاً
حقيقياً يليق بجلاله وعظمته
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر؛
فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه
ويؤمنون بأنه تعالى يجيء يوم الميعاد للفصل بين العباد، مجيئاً حقيقياً
{ كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا }
{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ }
فمنهج أهل السنة والجماعة في كل ذلك الإيمان الكامل بما أخبر به الله
تعالى، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتسليم به؛
كما قال الإمام الزهري رحمه الله تعالى:
من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم
وكما قال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى:
كل ما وصف الله تعالى به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف، ولا مثل
وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
آمنت بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء
عن رسول الله على مراد رسول الله
سألت الأوزاعي، وسفيان بن عيينة، ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث
في الصفات والرؤية، فقالوا: (أمروها كما جاءت بلا كيف)
وقال الإمام مالك بن أنس – إمام دار الهجرة – رحمه الله:
إياكم والبدع قيل: وما البدع؟ قال: أهل البدع هم الذين يتكلمون في أسماء
الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة
والتابعون لهم بإحسان وسأله رجل عن قوله تعالى:
{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }
كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان
به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا ضالاً، وأمر به أن يخرج من
المجلس وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا ينبغي لأحد أن ينطق
في ذات الله بشيء؛ بل يصفه بما وصف به نفسه، ولا يقول فيه برأيه
شيئاً؛ تبارك الله تعالى رب العالمين ولما سئل – رحمه الله – عن صفة
النزول، فقال: ينزل بلا كيف.
وقال الحافظ الإمام نعيم بن حماد الخزاعي رحمه الله:
من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر، وليس
ما وصف به نفسه ولا رسوله تشبيها وقال بعض السلف: قدم الإسلام
لا تثبت إلا على قنطرة التسليم لذا فإنه من سلك مسلك السلف في الحديث
عن ذات الله تعالى وصفاته، يكون ملتزماً بمنهج القرآن في أسماء الله
وصفاته سواء كان السالك في عصر السلف، أو في العصور المتأخرة
وكل من خالف السلف في منهجهم؛ فلا يكون ملتزماً بمنهج القرآن،
وإن كان موجوداً في عصر السلف، وبين أظهر الصحابة والتابعين